*أولى خطوات إعمار السودان (بناء الانسان قبل بناء السودان) د. محمد عبدالعاطي عبد الله المكى*

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الذي بُعث ليُتمم مكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن الحديث عن إعمار السودان ليس مجرد نقاش عن أبنية تُشيَّد أو مشاريع تُقام، بل هو استحضار لمعانٍ أعمق وأشمل. السودان ليس فقط أرضًا خصبة ونهرًا يتدفق بالحياة، بل هو وطنٌ متجذر في القيم الإنسانية والأخلاق النبيلة التي عرف بها شعبه على مر العصور. اليوم، ونحن نسعى لإعادة بناء هذا الوطن العظيم، يجب أن ندرك أن البناء الحقيقي يبدأ من الإنسان، فالمعاني تأتي قبل المباني، والأخلاق تسبق العمران.

والسودان… إرث أخلاقي نفاخر به ، عُرف السودانيون بالشجاعة والكرم، وبالأمانة التي جعلتهم مضرب الأمثال في كل مكان ذهبوا إليه. لطالما اشتهروا بشهامة تستنفرهم لنصرة المظلوم، وكرم يفوق الوصف. وتحكى عنهم قصص غاية فى الروعه اصبحو بفضلها ايقونات العالم فى كرم ومكارم الاخلاق.
لقد كان السودانى يومًا رمزًا للطيبة والنقاء، ومثالًا يحتذى به في القيم الإنسانية. لكن التحولات الاجتماعية والاقتصادية جعلت هذه القيم تتراجع في بعض المواضع. لذا، نحن اليوم بحاجة ماسة لإحياء هذا الإرث العظيم، وإعادة السودان إلى مكانته التي يستحقها بين الأمم.

إن الأخلاق ليست رفاهية، بل هي عماد بناء المجتمعات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.” فالأخلاق تُعزز الثقة بين الناس، وتُصلح العلاقات، وتُكوّن بيئة سليمة للنهوض بالمجتمع ومن ثم بالدولة. وكما قال الشاعر:
صلاحُ أمركَ للأخلاقِ مرجعُهُ
فقوِّم النفسَ بالأخلاقِ تستقمِ.

السودان الذي نطمح إليه ليس وطنًا تُزيّنه الأبراج العالية والطرقات الحديثة فقط، بل هو مجتمعٌ يُزيّنه الإنسان النبيل، الإنسان الذي يحمل القيم في قلبه ويُترجمها إلى أفعال.
والأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع. في السودان، كانت الأسرة دائمًا مصدر القيم والتربية ، تستمدها من تاريخ أرث ضارب الجزور ، ومن أسر ممتده راسخة القيم.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “حق الولد على والده أن يُحسن اسمه، ويُحسن أدبه، ويُعلمه القرآن.” فالأب والأم هما المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الأبناء قيم الصدق، والأمانة، والإحسان، مدعومه بعائله ممتده تراعى وتقوم.

لإعادة ترسيخ القيم في المجتمع، يأتي دور علماء الاجتماع وعلماء الأخلاق كركيزة أساسية. علماء الاجتماع يمكنهم دراسة أسباب تراجع القيم وتقديم حلول مبتكرة تعيد التماسك للمجتمع. وعلماء الأخلاق يمكنهم تصميم برامج تعليمية تعزز القيم الأخلاقية في المناهج الدراسية وتدريب الأهل والمعلمين على غرسها في الأجيال القادمة.
شيوخ الطرق الصوفية وقادة المجتمع فطالما كان لهم تأثير عميق في توجيه الناس نحو الفضيلة. فشيوخ الطرق الصوفية يُعدون مصدر إلهام روحي وديني، ينشرون قيم التسامح والمحبة بين الناس من خلال التربيه والاحتواء والتوجيه والقدوة والايثار والخطب والدروس بلغة المجتمع البسيطة وباساليب محببه ومرغبه. وقادة المجتمع المحلي لديهم القدرة على تعزيز القيم الأخلاقية ومراقبة الالتزام الاخلاقى الجماعي في مجتمعاتهم مثلما لهم المقدرة على معالجة مشاكل مجتماعتهم عبر الجوديه وغيرها من الاساليب التى تقوم على حسن الخلق الذى يسع الجميع ويحفظ لكل حقه ومكانته.

والان نحن احوج ما نكون لاعادة بناء الانسان عبر خطوات عملية للتغيير الحقيقى على عدة مستويات قد تشمل:

1. على مستوى الأسرة:
تربية الأبناء بالقدوة الحسنة.
غرس حب الوطن والمسؤولية في نفوس الأطفال.
تعليم الأبناء احترام الآخرين والتعاون معهم.

2. على مستوى التعليم:
إدراج قيم الأخلاق والوطنية في المناهج الدراسية.
تدريب المعلمين ليكونوا قدوة حسنة للطلاب.
تنظيم أنشطة مدرسية تُعزز العمل الجماعي وخدمة المجتمع.

3. على مستوى الإعلام:
تسليط الضوء على نماذج إيجابية في المجتمع.
إنتاج برامج تُبرز جمال الأخلاق السودانية الأصيلة.
إطلاق حملات توعية تُشجع على العودة إلى القيم النبيلة.

4. على مستوى المجتمع:
تنظيم مبادرات مجتمعية تعزز التعاون والتكافل.
دعم العمل التطوعي وتكريمه.
تعزيز ثقافة التسامح وحل النزاعات بطرق سلمية.

5. على مستوى الدولة:
وضع قوانين تُشجع على السلوك الإيجابي.
الاستثمار في الشباب من خلال برامج تدريبية تجمع بين المهارات المهنية والقيم الأخلاقية.
دعم المبادرات التي تهدف إلى تعزيز الروح الوطنية.

إن السودان لن يُبنى بالحجارة فقط، بل بالقلوب والعقول. قال الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ” [الرعد: 11]. لذا، فلنبدأ بأنفسنا وأسرنا ومجتمعنا.

السودان وطن عظيم، وشعبه قادر على تجاوز التحديات. فلنُعيد معًا بناء السودان بمعانيه قبل مبانيه، ولنجعل الأخلاق هي الأساس. وكما قال الشاعر:
وإذا أُصيب القومُ في أخلاقهم
فأقمْ عليهم مأتمًا وعويلًا.

أسأل الله أن يوفقنا جميعًا، وأن يُعيد للسودان مجده وأخلاقه.

مقالات ذات صلة