انتصار القوات المسلحة وتحريرها للخرطوم أهم وأكبر معركة لكسر شوكة هذه المليشيا المتمردة. هذه الفرحة المستحقة ورغماً عن دلالاتها الإيجابية محلياً وخارجياً إلا أنها تظل نصراً منقوصاً إلى أن تنتهي حالة الحرب بالكلية. فالجرثومة التي أشعلت حروب السودان الأهلية يُعد التمرد أو إشهار السلاح ضد الحكومة مجرد أثر وليس السبب الحقيقي للأزمة. على ذات النسق، فحتى المظاهرات والانتفاضات ونحوها من مظاهر التعبير السلمي، والتي بلغت ذروتها بثورات أكتوبر، أبريل ثم ديسمبر المجيدة ما هي إلا تجليات للرفض الشعبي لحكومات فشلت في التشخيص وتقديم وصفة الحل.
معظم الدول التي حققت الرفاهية لشعوبها لم تعبر إلا بتوافق عقلائها وإقناعهم للجماهير بضرورة إسناد مرحلة التأسيس لذوي المعرفة والكفاءة ليضطلعوا بمهامها العسيرة. فالتأسيس في الاصطلاح الدستوري يُعد من الفترات الاستثنائية أو ما يُعرف بالمرحلة الانتقالية. هذه المراحل بطبيعتها غاية في الهشاشة لكونها تأتي عقب الثورات والحروب. ولأن القيادة في هذه المرحلة توافقية وليست منتخبة، فمن المستحيل أن تنجح ما لم تُعبر شكلاً وموضوعاً عن كل أصحاب المصلحة. لتجاوز الانتقال، فحتى لو كانت القيادات مؤهلة فنياً فإن ذلك لا يكفي وحده، ولابد من أن تجد كل فئات المجتمع نفسها ممثلة في من يديروا هذه المرحلة الاستثنائية.
خلفت حرب الجنجويد دماراً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً عظيماً. وبلا جدال، خلال سنتين فقط قضت هذه الحرب على كل ما تحقق من مكاسب للوطن والمواطنين منذ الاستقلال. بالإضافة لهذه الكلفة العالية، فالتحرير من قبضة المليشيا لم تنجزه القوات المسلحة وحدها وإنما ضحت من أجله وشاركت في تحقيقه قطاعات واسعة من المدنيين. مهما كانت شقة الخلاف بين السودانيين، فالواقع لم يعد يحتمل أي انحيازات قبلية أو جهوية أو أي أطماع سياسية يمكن أن تزيد من الضغوط المحلية والإقليمية والدولية. تجاوز الحروب الداخلية يتطلب عمق النظر في كافة التحديات واستيعاب مصالح كل القطاعات بحيث تكون الانتصارات بوابة العبور لليلة الفرح.