*رندة المعتصم اوشي تكتب حين عاد النور.. تنفّس الناس الحياة*

في زمنٍ صار فيه النور حلما، عادت الكهرباء بعد عامٍ من الظلام الي بعض المدن في السودان وعادت معها الحياة إلى وجوه أنهكها الانتظار، وقلوب اعتادت على العتمة كواقع لا خيار فيه. لم تكن عودة التيار مجرد حدثٍ تقني، بل كانت لحظة إنسانية خالصة، انتصر فيها الأمل على القهر، والحياة على الرماد.

خرج الناس إلى الشوارع كأنهم يهربون من سجن طويل، يهتفون، يضحكون، بعضهم يبكي، وبعضهم ظل واقفا صامتا يحدق في الضوء، وكأن عينيه لم تصدقا أن الظلمة انتهت. كان المشهد يشبه العيد، لكنه عيد من نوع مختلف، عيد لا تُوزع فيه الحلوى بل تُوزع فيه الحياة.

كانت عودة الكهرباء بمثابة استعادة لحق إنساني بسيط، لكنه غال. في تلك اللحظة، لم يعد الضوء مجرد إنارة للمنازل، بل صار شمعة توقد في روح كل إنسانٍ عانى وصبر. صار النور حكاية عن شعب لم ينكسر رغم الحرب، رغم الموت، رغم كل شيء.

وفي خضم هذا الفرح، تجلت أهمية الدعم المجتمعي بكل صوره، فقد كانت الأيادي الممتدة لبعضها، والتكافل بين الجيران، وتبادل الاحتياجات البسيطة، دليلاً على أن الشعوب حين تتكاتف تصنع المعجزات. لم يكن أحد ليصمد وحده، ولم تكن الكهرباء لتصنع كل هذا الفرح لولا الروح الجمعية التي أبقت جذوة الأمل مشتعلة. الدعم المجتمعي لم يكن مجرد تضامن، بل كان شريان حياة.

وفي وجه كل مصباح أُضيء، كانت هناك قصة مقاومة، ووراء كل بسمة طفل كان هناك حزن عميق قرر أن يستريح قليلا. لم يكن أحد بحاجة لأن يقول شيئا، فالنور قال كل شيء.

عادت الكهرباء، لكن الأهم أنها عادت لتُذكرنا بأن الأمل لا يقهر، وأن الشعوب التي تصمد لا تهزم، وأن حتى في أقسى لحظات الظلام، هناك دائما ضوء ينتظر لحظة عودته.

مقالات ذات صلة