_______
اول يوم في هذه المدرسة العريقه وانا اعود لمهنة التدريس بعد انقطاع دام ثلاثة عقود ونصف عن مزاولة المهنة ••
لم يكن الامر سهلا وانا اقف امام باب المدرسة العتيقه (مدرسة قنتي شمال) وقد كانت من قبل ان يضربها فيضان العام 1988م ويهدمها مدرسة للبنات فقط اما الان فهي مدرستان داخل سور واحد (ابتدائي مختلطه ومتوسطه)
والمتوسطه نفسها مدرستنان وحده للبنات واخري للبنين بينهما سور ~ فقد طاردني الاخ الزميل (احمد محمد المكي) كثيرا لانضم الي هيئة التدريس كمدرس متعاون لاسد فرجة بسبب نقص في المعلمين وكنت اختلق الاعزار كثيرا كي ابتعد عن العوده الي المهنه والعمل مجددا والعمر قد مضي منه ما مضي ~ وليس لعدم ثفة في النفس ولكنه الخوف من ان يخذلني عظمي الذي وهن وعضلاتي التي ارهقتها السنوات ولم تكن مطواعه كما كانت وظهور الصلع الذي لم يبقي في الراس من شعر اسود ليشتعل والذاكرة هي كذلك صارت كنار متقدة في فلاة تحركها الرياح تشتعل زمن وتهمد بعض الاحيان ~~
وقفت امام باب المدرسة العتيقة متنازع الفكر مشغول البال اسأل نفسي ..
هل علي المضي قدما لما دفعوني اليه دفعا وخصوني به … ام العودة وانهاء الامر ؟ هل تسعفني لياقتي ان اقف امام السبورة واكمل الدرس.. ولعمري هو ليس درس واحد ولا يوم واحد.. انما هو اسبوع ويصير شهرا ~ ثلاثه ~ خمسة شهور وربما تزيد ~وانا عند الباب في ترددي ان لمحني الاستاذ احمد محمد المكي وابتسم رحب بي وكان الترحيب من الاستاذ انور السادات ثم الزميلات الحاضرات ~
وفي داخل مكتب الادارة تيقنت بوقوع القدر.. اذا لا فكاك ولا تراجع والواجب قد اضحي فرض عين وخدمة الابناء والوطن دين لابد من سداده ~~ وكانت صدفة عظيمة ان يكون اول فصل ادخله هو الصف السادس الابتدائي وقد خطرت لي خاطرة وسؤال قديم لا يزال في البال •• [ هل التاريخ يعيد نفسه ؟ ]
كان هذا السؤال عنوان لمحاضره القاها الينا الاديب السوداني الطيب صالح رحمه الله عليه في صيف العام 1978م ونحن طلاب بمدرسة الدبة الثانوية العليا والطيب صالح في اخر زيارة لقريته (كرمكول) القريبة من مدرسة الدبه الثانوية ~ وكانت فرصه لا تعوض اغتنمها اساتذتنا الاجلاء لنلتقي بهذا الاديب الكبير الطيب صالح ويالها من فرصه .. في هذه الامسية كان فرح الطلاب عظيم بوجود الاديب الطيب صالح اجتمعوا حوله وضجوا وفرحوا ••
وقف الطيب صالح علي حافة ميدان ال Basketball ( الكرة الطائره ) العالية بقامته السامية وتواضعه الجم وصوته الجهوري مبتدرا حديثه للحضور ~-______
ابنائي الطلاب… لقد وهن العطم مني واشتعل الراس شيبا واستميحكم عزرا ان تسمحوا لي بالجلوس متحدثا اليكم ~
يا الهي ما كل هذا الادب والطيب صالح يستاذن التلاميذ ليجلس ويتكلم ~~~
كانت المحاضره بعنوان
* هل التاريخ يعيد نفسه ؟
وكان القمر في تلك الليلة الصيفية بدرا مكتمل الملامح والنيل يجري بعنفوانه متدفق نحو السافل
والطيب الصالح متجلي كالقمر ومتدفق كالنهر دون انقطاع يطوف بنا هنا وهناك
يهز مع (الزين) في يوم عرسه يزور (ود حامد) في موسم هجرته الي الشمال يذهب الي النهر ويجلس تحت شجرة الطلح ويرمي الحجر في الماء ويحلم ~
يسمع طائر يغرد وخوار تور وصوت فاس في الحطب وتصائح الناس في الحقول وفي بعض الايام يسعفه الحظ ويري الباخرة تمر امامه طالعة او نازله ~
غاص بنا الطيب صالح في تلك الامسية الصيفية في اعماق (بندر شاه ومريود) يرفعنا ال ويخفضنا ال ~
قدم لنا التمر من نخلتة القائمه علي الجدول سرد لنا اخبار بنت مجذوب وسعيد التاجر وعطرنا برائحة جده التي تشبه رائحة الضريح ~~ ويا له من مبدع وما اجمله من ابداع ~
في تلك الامسية عند ميدان ال Basketbaii كنت قد عرفت القليل من روايات الطيب صالح وفاتني الكثير والمهم انني احببت اسلوبه منذ ذلك الزمن وانا غض الاهاب قليل الخبرة والتجربة الحياتية
رحم الله الطيب الصالح ~~
وانا اعبر من الباب الي داخل الصف السادس الابتدائي ~
هجس لي هاجس بان التاريخ يعيد نفسه…
غبار الطبشور ورائحة الكراسات والكتب وضجة الطلاب اعادت الي روحي وهزمت ترددي وتذكرت ان اول يوم لي باليمن للتدريس كان علي سفوح جبال ريمه / ناحية الجعفرية / قرية بني نفيع بارتفاعاتها التي تبلغ 2500 مترا فوق سطح البحر فهي قرية جميله تغتسل بالسحاب صباح ومساء
وكانت البداية ايضا من الصف السادس ويلها من صدفه فالان هاهو التاريخ يعيد نفسه ~~
وفي داخل مدرسة قنتي شمال رايت الجهد الواضح المبذول من العمال وهيئة التدريس هذه الشريحة الهامه القابضون علي جمر التعليم في هذا الزمن الردئ
ولكنها الرسالة الخالده ايها الزملاء فلا تحزنوا ولاتهنوا والاجر علي الله ~
ومما يثلج الصدر ويفرح القلب مقطع مصور لاحد الشيوخ وهو يثمن جهدكم ويعلي قدركم ويقول ~-__
ايها المعلم اعلم بان كل الايام لك وكل الاجر لك كذلك ~ كل موظف في الدوله اذا تقاعد يترك وظيفته خلف ظهره ويستقر في البيت ~~
الا انت ايها المعلم تجلس في البيت وعداد حسناتك يعمل لان كل ما زرعت في الميدان اوقاف ~
كل طالب قابلته زرعت فيه قيمه ووقف وهذا الوقف قد يكون من علماء الامه.. طبيبا او مهندسا.. فقيها عسكريا او طيارا وكل الفضل الذي يؤديه لك فيه نصيب الزارعين الفضل ~ لذلك يموت المعلم ولا تنتهي ايامه ونقول للمعلمين كل الايام لكم وليس يوم واحد للمعلم كل يوم تخرج من بيتك محتسبا الله وملائكته واهل السماء واهل الارض حتي الحوت في الماء والطير في الهواء يصلون علي معلم الناس الخير ~ كل يوم احتسب وجدد النية بين كل حصة وحصه وما بين درس ودرس كانك تخرج من عباده لتدخل عباده اخري جديده ~
جدد النية حتي يبعد الملل ويتجدد الشوق والامل ••
الزملاء والزميلات بمدرسة قنتي شمال خاصه وكل الزملاء بمدارس السودان عامه امضوا الي ما جهزتم له رغم الضيم والظلم الواقع عليكم فانتم حملة المشاعل التي تضي ظلمات الجهل وانتم زراع الامل امل البلاد المرتجي.. لا تلتفتوا الي المخذلين الجالسين علي رصيف النقد ~~~
فالضرب ينفعهم اذا لزم الامر والعلم يرفعهم في كل الحالات ~-______
ايها الساده مدرسة قنتي شمال العريقة تحتاج منك الي مد يد العون لاكمال النقائص حتي تكتمل العملية التعلمية علي اكمل وجه…
تحتاج الي فصل بمواد ثايته
وتحتاج الي مكتب علي اقل شي وطاولات مكتبيه وزيادة اجلاس للتلاميذ وكتب وادوات مساعده ووسائل تعليميه ~-_________
وفق الله الجميع وحفظ البلاد والعباد من كل شر ~~
المدرس / احمد محمد مكاوي الشيخ •••
الشماليه / قنتي ••