يا لهذا اليوم الذي تنهد فيه الزمن متنفساً بعمق ، و توشح بالحزن صدر اللحظة ، و سكتت لغة الفاقد عن وصف المفقود ، فما عاد الكلام يكفي ، و ما عادت الحروف تحتمل ، رحل ممدوح عبد الحليم الإعلامي ، و المصور بتلفزيون الولاية الشمالية ، وأي ممدوح هذا ، إنه وصف وقع على موصوف ، إنه الممدوح في كل مجلس ، فهو الحبيب ، و هو الأخ و الإبن ، و هو الزميل ، بل هو الكل في آنٍ ، و هو الذات حين تتجلى في صورة الغير ، إنه الصامت الذي تتحدث عنه الأفعال .
لقد أُصيب القلب بسهم لا ينتزع ، و عاد الحنين يطرق أبواب الروح بعنف رقيق ، تماماً كما كانت هيبة ممدوح التي تتمثل في مزيج رجولة لا تتصنع ، وخلق لا يتكلف ، و ذكاء يعرف كيف يخفي نفسه بين الضلوع كي لا يحرج الكسالى من الأرواح .
ممدوح … أيها الذي كنت كضوء العين بين صحابي نفتقدك حين تسودّ الرؤية ، فأنت سند الظهر حين يضعف المتن ، أأفجع فيك كما فجعنا في الوطن ؟ أم أرثيك كما يرثى الزمن الجميل؟ ، لقد رحلت بهدوء دون أن تترك أثر ، و برحيلك لم تترك فراغاً فحسب ، بل خلفت خلفك ثقوباً في نسيج أيامنا ، و التي لا يرممها الوقت ، و لا يداويها الصبر .
يا أيها الراحل الذي رحل و لم يرحل ، أما تدري أنك الآن أكثر حضوراً من ذي قبل ؟ ، إن في رحيلك نبوءةً عن افتقاد المعاني ، وكأنك اصطحبت معك المروءة و الأدب والرجاحة ، وحببت إلينا التراب لأنك فيه ، وكرهت إلينا الحياة لأنها دونك .
نفتقدك يا ممدوح … لا لأنك مضيت ، بل لأنك كنت ، و لأنك كنت طيب الملمح ، صادق الوعد ، مهاب الطلعة ، كريم العشرة ، كنا نظن أننا نؤنسك ، فإذا بك أنت المؤنس ، و كنا نحسبك زميلًا ، فإذا بك عماد المكان و أريجه ، كنا نعدك إبناً و أخا ، فإذا بك الإبن و الأخ والأب و النبيل .
كيف نكتب عنك بلغة سمعناها من قبل ، و نحن لم نسمع عنك إلا كل جديد ؟ ، كيف نحزن عليك بما تعودنا ، و أنت الذي كنت تكسر الأعتياد بحضورك الضاوي ؟ ، إن الكلمات اليوم تتعثر ، و تتوارى خجلاً من وصفك ، تخونها المعاني و تخلها الاستعارات .
وداعا يا ممدوح … لا وداع يشبهك ، و لا سلام بعدك يؤنس ، لقد كتبت سطرك الأخير في كتاب الحياة و انت كنت تعلم بموعد رحيل و لم تخبرنا حتى نحسن الوداع ، و لكن سنقرأ ما كتب على الدوام ، وستظل روحك شاهدة على أن النبل لا يموت ، و إن توارى الجسد تحت التراب .
الحمد لله على قدر الله .. و إستغفر الله العظيم و أتوب إليه .
اللهم إن ممدوحاً كان عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، خرج من الدنيا وسعتها ، و محبوبه وأحبته فيها ، إلى ظلمة القبر اللهم اجزه عنا خير ما جزيت عبداً عن إخوانه ، وخير ما جزيت محسناً عن صحبه ، اللهم آنِس و حدته ، ونور قبره ، وأجعل مقامه في عليين ، مع النبيين والصديقين و الشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاً ، اللهم اربط على قلوبنا و أهله ، وامنحنا الصبر الجميل ، و بلغنا بلقاء الأحبة في دار لا فراق فيها ولا حزن .
آمين يا أرحم الراحمين .