*ترحل ياحبيبي من باب الحياة لباب المنون أزهري محمد علي*

الأيام تطويها الشهور.. والشهور تطويها السنين والسنين بعقودها ينعقد لسانها الفصيح في طي الصمت المهيب ..فتمضي ويبقي منها صدأ الأحداث والإحاديث ..والحكايات والسرديات العظيمة ..وطق الحنك واللطف ..ارواح من نفح الروح العلية نفخت في تلك الرسوم فسرت وسارت بيننا لعقود كالطيف ..وصعدت اسعدت وسعدت بحضورها وسمو صفاتها ..فارتقت المراقي ..وتركت اثارها وطيوفها اللطيفة كضيف من الضوء..هكذا صعد هاشم كرار دون ان يجرح وردة ..كالانسام يأتي وكالاحلام مضي ..كلما اتكي علي منضدة سكب روحه علي بياض الاوراق محبة وبوحا شفيفا..عبأ به أنفاسه علي الصفحات . تخضر به النفوس وتسمو به العقول معرفة وفكرا واستنارة ..هاشم عاد بنصه القصصي وخطابه الاعلامي والثقافي ألي منابعه واصوله في بيوت العمال وقطاطي ورواكيب كمبو المحالج ..لم يتركه نصا منبتًا متعاليًا محايدًا..بل ظل منتميًا وملتحما حيث الكلات وعمال المواسم من كل صوب يأتون ..يأتون مثل اسراب الطيور الموسمية بأغنياتهم واهازيجهم طويلة التيلة ..عارية المعاني ..تعبر عن اشواقهم ورغباتهم دون تكلف او صناعة ..فيأتي هاشم المنتمي لجذوره وصلصاله الاجتماعي يحفر عميقًا بخطابه متماهي مع احلامهم الصغيرة ..ولغتهم السهلة ..والتعبير عن حياتهم الضاجة بالتفاصيل والرهق والحاجة ..جمعتني به الحصاحيصا هذه المدينة المتفردة في ادارة التنوع والتعايش والقبول واجتراح المنصات للتلاقي الرحيم للثقافات..آواخر عقد السبعينات من القرن الماضي كان لي شرف تنظيم أمسيات ساهم هاشم كثيرا في تصدير الثقافة عبرها من مسرح نادي العاملين بمصنع نسيج الصداقة ..أمسيات قدم عبرها سردياته العظيمة ..تلك الأشياء (تمبوشة) وبين النيل والدانوب ..لا اظن ان أحدًا سبقه في مشافهة النص السردي كقاص .واطلاق عنانه حيًا مباشرًا للجمهور ..كانت الأمسيات تتم وتتجمل بمشاركة كوكبة من المبدعين ..عميري .. وقدال ..محمد محمد خير.. هاشم كرار.. عثمان عابدين.. اسماعيل المكي..فتح الله ابراهيم..عمر بشير ..مصطفي سيد احمد..والموسيقيين سعد الطيب ..بشري كنب ..عبد العظيم وداعة ..الشيخ صالح ..يعقوب ..وعدد من المبدعين رحم الله من رحل ومتع من بقي بيننا بالصحة والعافية..كان هاشم عميق الاثروالتأثير بوالدته بت الجعيلي وبرفيقاتها في دروب الحياة يآخذ منها مخزونه المعرفي ومتشابكات الحياة وفصول الأجيال يروي عنها الطرائف والمواقف ..يبرها بالمحبة ومحبة صاحباتها وجاراتها ..من باب الدوحة صعدت روحه الطيبة اللطيفة الي الدوح العلي ..من ذات الباب الذي صعد منه قدال ومصطفى رفقاء في الخير والمحبة والجمال في الدارين ..صعد هاشم وترك اثاره .كما ترك اسرة كريمة وقفت بجانبه سندًا وعضدا في لحظات الشدة والابتلاءات ..برحيله تنطوي صفحات من سفر الحياة خلد هاشم بين دفتيه سيرة عامرة بالحب والجمال ..والسعي الودود حقًا (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد)تقبل الله هاشم قبولا حسنًا برحمته الواسعة ..
انا لله وانا اليه راجعون

مقالات ذات صلة