*”حكم السودان بين الأطر النظرية والتطبيقات العملية” بقلم الدكتور محمد الامين العجب*

المتابع والملاحظ لتاريخ الحكم في السودان منذ الاستقلال الى حاضر اليوم يجد أن كل الحكومات التي توالت على حكم البلاد قد أحسنت التنظير في أطر الحكم ولكنها فشلت بدرجات متفاوتة في التطبيقات العملية او بتعبير أدق انها قد نجحت باقدار متباينة في الاطار النظري وفشلت في الاطار العملي ولم تفلح جميعها في المزج اتساقاً وتوافقاً ما بين الاطارين النظري والذي يعضضه ويسنده العملي ويرجع ذلك لعدة اسباب اهمها ان كل الحكومات التي تعاقبت على حكمه لم تعمل على تقديم تطبيق عملي يسبقة تفكير نظري مسنود بمسوحات وتحليلات وخطط تتضمن برامج ومشروعات ونشاطات مع ترتيب الأولويات بمنهجية علمية ما يجعل التفكير النظري للحاكمين اشواقاً تراود مقدميها لا تمت بصلة لمشكلات الناس واحياجاتهم لان وراء كل علاج ناجح تشخيص دقيق، لان ذلك يسهم بشكل فاعل في تقديم الحلول والمعالجات التي تخاطب جزور المسببات للمشكلات وتحدث اختراقات عملية فيها ومعالجات ناجعة لها، فمخرجات الأفكار الإبداعية للعلماء لا تنفك عن تشربهم بالفهم العلمية لخطوات تنفيذها عملياً في الواقع لمعايشتهم له لأنهم منه واليه، فمن يستطيع وضع الفكرة يستطيع ان يشخص المرض ومن ثم ايجاد العلاج الناجح والناجع للمشكلات بعيداً عن خبط العشواء وتجريب المجربات أو ترجمة مكتوبات الخيالات الليلة الخصبة التي تأتي بمنتوج فكري لا يتسوق مع حقائق الواقع وتفاصيل مشكلاته ومتطلبات معالجاتها.
عليه، فإن اداره الدوله في السودان من خلال تجارب السابقة تشبه الى حد كبير قصه الفيل وفاقدي الابصار والذين لم يسبق لهم تجسيد صورة الفيل رغم سماعهم المتكرر عن ضخامته ما جعلهم يحاولون تجسيد صورة الفيل واقعاً من خلال معلومات خيالاتهم عنه اجابةً لسؤال ماهية الفيل وكيف وكيف يبدو شكله، فتم ادخالهم الى حظيرة الفيل وبدأ كل منهم في لمس الفيل ليتحسس كل منهم جزء مختلف من جسد الفيل، فمنهم من يلمس قدمه ويلمس اخر خرطومه وآخرين من دونهم رأسه ورجلية..الخ وبناء عليه بدأ كل منهم وصف الفيل بناء على تجربتهم في لمس اجزاء جسده، ما جعل كل منهم في النهايه ويقدم وصف الفيل بطريقه مخالفه لاقرانه وجميعهم خارج أطر الصواب وحقيقة واقع الفيل، هذا بإختصار هو حال السودان مع التجارب المتعددة التي توالت علي حكمه، تحمل من الامال والطموحات والاحلام حسب مدركات مفكريهم المجابة لمطلوبات الواقع والحاجات المحسوسة للناس ونهايات خلاصات التجاوب تراكمات من الفشل والأزمات.
خلاصة المفيد من القول أن الحكم الفاعل للسودان لا يتم بخيالات الحكام ورغباتهم وتقديراتهم الذاتية الفاقدة السند المنهجي المتكامل بأبعادها النظرية وخطواته العملية المسنودة بقاعده بيانات صحيحه لتحدد بموجبها الامكانيات وتحشد الموارد للدعم التنفيذ العملي لخطط العمل التي تؤمن مصالح الوطن والمواطنين، مع الاعتماد على الذات بالتوكل على الغني الوهاب بالانفكاك والطلاق البائن على الخارج بوعود الدعم الفارغة والمصحبة دوماً بمعسول الكلام وخلاصات اوهام الارقام…. ومن يتوكل على الله فهو حسبه، والله غالب على أمره.

مقالات ذات صلة