*الصادق المهدي بين معضلتين زين العابدين صالح عبد الرحمن*

في البدء كل عام و انتم بخير، و نسأل الله أن يتقبل منا جميعا صالح الأعمال، و أن يتعافى الوطن و يصبح في أمن و أمان، و ينعم بالاستقرار الاجتماعي و السياسي و النهضة..

الكتابة عن السيد الصادق المهدي كسياسي و مفكر، تصبح اجتهادا خاصا للمهتم و هو سفر ليس سهلا و لكنه سفرا ممتعا لأن فيه العديد من الاشتباكات في السياسة و المعرفة، و هو أيضا مكان جدل أن تحاكم أراء و أفكار بمنهج نقدي لهذا التراث الفكري و صاحبه غائبا.. و الاشتباك يتم لآن الكاتب أو النقد سوف يصبح هو صاحب الدعوة، و في نفس الوقت هو الحكم على أفكار ترككها صاحبها لكي تكون مادة للحوار الفكري.. و الدعوة سوف تتم بالرجوع للكم الكبير الذي تركه السيد الصادق إرثا سياسيا و ثقافيا و فكريا.. هو إرث بصورة عامة للمجتمع السوداني باعتباره كان أحد الفاعلين فيه و جزء من مسيرة سياسية تداخلت فيها العديد من القضايا حتى وصلت للحرب..

العنوان ” الصادق المهدي بين معضلتين” عنوان كتاب سوف يصدر قريبا، الكتاب لم يتناول تاريخا مفصلا للسيد الصادق منذء بدأ دخوله الحلبة السياسية حتى رحيله، انما الكتاب يأخذ جانب واحد في مسيرة الصادق هي عدد من الموضوعات قد أثارها و هي تشكل ملامح هويته الفكرية.. و الصادق المهدي الذي درس في جامعة اكسفورد ببريطانيا، خلف في القيادة الإمام الهادي المهدي الذي درس في مدرسة الأحفاد و الكمبوني ثم كلية فكتوريا و لكنه لم يكمل تعليمه و تفرغ إلي السياسة.. كثير من السياسيين عندما تسألهم عن بداية الصادق المهدي يقولون أن الرجل جاء بأفكار جديدة، كان يريد أن يتجاوز بها إمام الآنصار في تلك الفترة ، و عندما تسألهم عن الأفكار لا يتذكرون إلا كلمة واحدة ” السنديكالية” و هي كلمة مأخوذة من الكلمة الانجليزية ” Syndicalism” و هي تيار ريديكالي في العمل النقابي، معنى ذلك أن الصادق تأثر بحزب العمال البريطاني.. لأنه الحزب الذي كان تدعمهم لحركة النقابية، و هي تيار يشكل لوبي للحزب اجتماعيا.. فهل الصادق كان يريد أن يتحول حزب الأمة لتيار سياسي يعتمد على لوبيات اجتماعية؟

في أول خطاب للسيد الصادق المهدي بعد انتخابات 1986م قال السيد الصادق أن حزبه غادر محطته السابق لكي يلحق بالطبقة الوسطى.. لكن عندما ترجع لبدايات الصادق المهدي و هو جاء حاملا أفكار جديدة داعمة للديمقراطية لا نجده اعترض على طرد الحزب الشيوعي من البرلمان و لا وقف مع قرارات المحكمة. و حتى عندما تم تعينه رئيسا للوزراء عام 1966م لم يقول فيها ما يؤكد أنه حاملا لأفكار جديدة.. غاب تماما مصطلح السنديكالية باعتباره يحمل مضامين جديدة في العمل الجماهيري. و أن انتخابات 1986م التي أحرز فيها حزب الأمة 103 دائرة أقنعت الصادق ليس حزبه في حاجة إلي أدوات جديدة تضاف للحزب..

الصراع الذي حدث داخل الحزب و أدى إلي إنشقاق طولي في الحزب ” الهادي – الصادق” جعل الصادق يقتنع بالسيطرة على الحزب من خلال موقعين سياسي كرئيس للحزب و إمام للانصار كزعيم ديني.. أراد بها الصادق أن يمسك بكل الأوراق في يده، لكن هذه كان لها أثرا سالبا على الحزب، قد ظهر بصورة واضحة جدا بعد رحيل السيد الصادق المهدي، حيث كل الأوراق التي كتبها الصادق المهدي إذا كانت في دفاتر سياسية أو اجتهادات فكرية أو حتى كشاكيل مدونة فيها مبادراته.. لم تجدها كمرجعيات يأخذ بها الحزب بعد رحيل الصادق..

أن مقعدي الصادق؛ كرئيس للحزب هي وظيفة سياسية مفتوحة تقبل النقد و الحوار الفكري و تدفع الطليعة المثقفة في الحزب أن تقدم أجتهاداتها في الذي كان يطرحه الصادق، و الحوار الفكري عو الذي يعمق الوعي السياسي و في نفس الوقت أداة لإنتاج الثقافة الديمقراطية، الحوار هو المرآة العاكسة للحزب في المجتمع و يصبح اداة استقطاب لقوى الوسط التي كان يتطلع لها الصادق المهدي.. المقعد الثاني أمام الأنصار هي أداة مانعة لأنها تلقائيا تجعل العلاقة داخل الحزب علاقة ” شيخ و حيران” و لا رأي للحوار مع الشيخ.. الإمامة كانت سببا رئيس في منع العديد من المثقفين و عناصر الحزب أن يدخلوا في معركة لا يعرفون كيف يتعامل معها الصادق المهدي.. خاصة أن الترقي في الحزب و التكليف في أحزب مثل الأمة و الاتحادي بعد سيطرة الطائفية عليه منذ 1985 لا تتم إلا إذا قمة الهرم راضية عليك تماما..

للتاريخ أنا شخصيا سألت السيد الصادق لماذا عناصر حزب الأمة تهمل كل ما تكتبه إذا كانت أفكار أو مبادرات أو حتى أراء سياسية؟ رد على السؤال ماذا تعتقد؟ قلت الإمام لأنها حاجز دينيا و نفسيا ثقافيا، لا يريد الناس أن يدخلوا في حجج لا يعرفون ماذا تكون ردة فعل الإمام، و ليس رئيس الحزب لأنها لا تملك قدسية في التعامل.. و الإمام تبين تخوفات الصادق المهدي الذي انعكست في إقالة الدكتور إبراهيم الأمين من الأمانة العامة للحزب، خاصة أن إبراهيم واحد من الأعضاء الحزب الذين يعتزون برأيهم، إلي جانب ممارسة النقد و طرح الرأي الأخر.. القضية الأخرى التعيينات لقيادات عسكرية دون سياسية أيضا هي تشكل موانع لحركة الرأي و الفكر في الحزب..

و الصادق المهدي كان شاعرا بهاتين المعضلتين، لذلك ذهب خارج السودان لكي يبحث عن تسويق إلي أفكاره من خلال النقد عند منظومة الوسطية، و تتناول أراءه بالدراسة و البحث، لآن الخارج ليس محكوما بهاتين المعضاتين، كما عضوية الحزب.. الكتاب يتناول العديد من القضايا في مسيرة السيد الصادق كرأى خارج دائرة عضوية حزب الأمة.. نسأل الله حسن البصيرة..

مقالات ذات صلة