:
المرأة التي تقوم بأعمال قد لا يقوم بها غيرها في ظل الظروف الصعبة تكنى بي (أبو الرجال) ، وقد سمعت هذه الكنية تطلق على بعض من النساء في أوقات الشدة بعد أن برزن وقمن بما لم يتمكن الرجال من فعله أو القيام به .
عرفت الأستاذة إزدهار جمعة منذ عدة سنوات على أيام البشير ،وهي مناهضة لنظام المؤتمر الوطني وقد تم اعتقالها أكثر من مرة ، وكنت مع زملائي في هيئة محامي دارفور قد تابعنا اعتقالها عقب نشوب القتال والحرب بين الحركة الشعبية شمال بقيادة (عقار/ عرمان / الحلو) بعد انقضاء فترة اتفاقية سلام نيفاشا، وعودة الطرفان إلى مربع الحرب . كانت الأستاذة إزدهار جسورة في مواجهة الاعتقال والانتهاكات التي تمارس بحقها مؤمنة باهدافها .
لقد تعرفت على الأستاذة أزدهار جمعة (ابو الرجال) عقب اندلاع الحرب العبثية الدائرة. وكنا في هيئة محامي دارفور قد تلقينا اتصالات من نازحين بفعل الحرب بمراكز الإيواء ببعض مدن الشمال وولاية نهر النيل ،وكان الغرض من الإتصالات المطالبة بإطلاق حملات لمساعدة النازحين المتأثرين بالحرب بمراكز الإيواء بمدن الشمال وولاية نهر النيل وقتذاك، بالفعل سافرت إلى الدبة والغابة ودنقلا ووجدت شباب تلك المناطق يقومون بأدوار كبيرة في تقديم العون للنازحين القادمين إليهم من ولاية الخرطوم ، في دنقلا شباب دنقلا من الجنسين لستة أشهر منذ بداية حركة النزوح الداخلي كانوا يقومون بتزويد النازحين بالوجبات الثلاث وتوفير المعينات الآخرى بمراكز الإيواء وقد تحولت العديد من المدارس والمرافق العامة إلى إيواء (اكثر من ١٤ مدرسة ) .شباب دنقلا واهلها قدموا المأوى والمأكل للنازحين باريحية بالغة ، كما وكانت هنالك اشراقات داخل مراكز الإيواء. الذين نزحوا إلى دنقلا من الجنسين دخلوا إلى الأسواق للعمل ومن الأمثلة المشرقة وجدت الدكتورة نصرة مادبو وابنتها خريجة كلية المختبرات الطبية تعملان في عواسة الكسرة للكسب الشريف ، وقد قمت بنشر صورتها وهي تعوس في الكسرة للمرأة صاحبة مطعم المأكولات البلدية بالسوق ، هذه الصور والمشاهد اثناء الحرب من دروس الوعي في المجتمع الذي بلا شك سيكون له هذه المرة الف حساب وحساب مع طرفي الحرب . وقد نشرت صورة د نصرة مادبو تواصلت معي الأستاذة إزدهار جمعة لضرورة الوصول إلى مروي المدينة التي صارت قبلة لمئات الأسر الفارة من الحرب الدائرة بولاية الخرطوم ، وبالفعل تحركت إلى مروي، وفي مروي عرفت (أبو الرجال) كما ظل يوصفها لي احد رجال مروى الكبار في السن والقريب من أسرتها والذي كان يتردد على دارها للأغراض الاجتماعية والصلح في المشكلات التي تنشأ لتعالج في جلسات بين الأطراف ما بين مجموعات محلية بسيطة من (جعليين / حسانية/ هواوير الخ )، ومن داخل راكوبة الحصير الممتدة امام منزلها كالمضيفة وبها الكراسي والسراير يتوقف بعض المآرة من الجيران وسكان الحي عقب صلاة الصبح لشرب الشاي وتحايا الصباح مع أهل الدار كما يحدث في الريف السوداني مثل أرياف وقرى دارفور وقال لي ذلك الرجل بأن جدة إزدهار والتي تمتلك سواقي واطيان واسعة ونخيل كانت تخصص نصف النخيل للمحتاجين حتى وفاتها وأنه هو نفسه كان من الذين يحصلون على نصيبهم منها .
مبادرة نازح :
من منزل الأستاذة إزدهار بوسط مروي تم إطلاق مبادرة نازح، ووصلت المساعدات من سودانيين بالولايات المتحدة الأمريكية ومناطق آخرى، كما وتمكنت الأستاذة إزدهار من استقطاب المواد الغذائية من عدد من التجار المحليين بسوق مروي ، وقد تحولت مبادرة نازح لحملة انطلقت من داخل منزلها بوسط المدينة لتضم النساء من مختلف الأعمار والمهن والخريجات وربات الأسر وكلهن كن يقمن باعداد الطعام ومعهن شباب/ات مروي لتنقل المأكولات والمشروبات وتوزع على النازحين بمراكز الإيواء بالمدارس وبعض المرافق العامة الآخرى، لقد تمكنت مبادرة نازح من توفير الأغطية لعشرات الاسر النازحة من معاناة زمهرير شتاء الشمال القارس،، كما تم توفير العشرات من بطاريات الإضاءة اليدوية للنازحين بمراكز الإيواء خاصة المراكز بالقرب من مجرى النيل الذي يظهر به الزواحف والعقارب السامة ليلا ،وتكثر في الأماكن المظلمة ، واثناء تواجدي بمروي اذكر ان هنالك طبيبة شابة توفيت بلسعة عقرب ، مراكز الإيواء بمروي لم تكن كمراكز إيواء دنقلا، ففي مدينة دنقلا قام شباب دنقلا من الجنسين بتهيئة مراكز الإيواء وتزويدها بالخدمات اما في مروي فقد كانت مراكز الإيواء تكشف عن الإهمال الشديد وغالبية المراكز كانت الإنارة في أماكن محدودة، وقد زرت عدة مراكز إيواء بمروي وقتذاك، كانت هنالك في بعض مراكز الإيواء دورات مياة لم تكن بها أي إنارة مع خطورة الزواحف والعقارب السامة التي تتحرك ليلا . وبجهود إزدهار ونساء مدينة مروي وشبابها تم تزويد العديد من مراكز الإيواء بلمبات الإنارة والمراتب للنازحين الذين كانوا يفترشون البلاط ، ولم تعجب منسوبي المؤتمر الوطني بمروي ما كانت تقوم بها إزدهار من جهود إنسانية ، وهنالك اخبار عن وصول مساعدات من منظمات للنازحين ولكنها لم تصل لمراكز الإيواء، وبدأت المضايقات بعدة طرق ووسائل لإزدهار ولكنها لم تتوقف . اذكر في إحدى زيارتي معها لاحد مراكز الإيواء، وجدنا إمرأة مسنة وهي جدة وكانت تقيم بمركز الإيواء مع بنات بنتها التي توفيت، وقالت الجدة بأن حفيدتها الكبرى وهي طفلة عمرها ١٣ سنة تخرج من الصباح للمساجد والسوق لتتسول وتأتي لهم في المساء بما حصلت عليها وينتظرونها بفارغ الصبر ،وهم جياع لياتي الفرج من الله تعالى .
لقد قدمت إزدهار للمتاثرين بالحرب من القادمين إلى مروي من كل مناطق السودان العون القانوني، وهنالك العديد من القضايا التي قدمت فيها العون القانوني ولا تزال بلا اي مقابل . في الأشهر الماضية تعرضت إزدهار لهجوم (من مجموعة من البلاطجة) بعد أن خرجت من محكمة كريمة وكاد ان يؤدي الضرب المبرح بحياتها وقد تم تركها في قارعة الطريق كرسالة لمن يعتبر ، ولولا أن قدر الله تعالى ولطف لكانت على أقل تقدير جراء ما حدث لها لكانت مقعدة، ولكنها عادت اكثرة قوة وعزيمة .
أستاذة ازدهار تقدم العون القانوني الآن للمتحدرين من أبناء غرب السودان الذين تم اعتقالهم من مناطق الدهب منذ أكثر من عام وكانوا يبحثون عن سبل العيش، ومؤخرا تم فتح بلاغات جنائية في مواجهتهم، وهنالك بلاغات آخرى عديدة تتولى فيها تقديم العون القانوني للمتاثرين بانتهاكات السلطة وقانون الوجوه الغريبة . لقد تقدمت أستاذة إزدهار بمذكرة رفيعة بشأن تأسيس محاكم طوارئ بالولاية الشمالية وهي تقوم بسد الفراغ والفرقة بهمة ومثابرة .
نموذج الأستاذة إزدهار يؤكد بأن الحال لن يكون كسابقه ، وشتان ما بين مدافعي حقوق الإنسان الذين يتواجدون على الأرض ويتصدون لانتهاكات السلطة والأجهزة الأمنية بمبدئية وجسارة متتاهية ، وأولئك من على الوسائط والكيبورد .
وصفت الأستاذة إزدهار بي (ابو الرجال) وعلقت علي إحدى الحبيبات المدافعات عن هذا الوصف وكتبت الآتي (اتفق معك تماما في انها انسانة حقانية قوية شجاعة ..غير اني اختلف مع مقدمة المنشور التي وصفتها بأنها تفوق دستة رجال، وايضا معك وانت تساير فكرة المنشور ،وتصفها بأنها ابو الرجال ..واعتقد ان الوصف الصحيح لا هذا ولاذاك بل الوصف هو انها امرأة كاملة الانسانية والصفات..امرأة سليمة سلمها الله من تشوهات التربية والتنشئة الأسرية والمجتمعية التي تكرس الضعف والدونية والتفاهة .كسرة #رجال الزمن ده مابشبهوا بيهم زولة حقانية زي ازدهار!!😳🤔 ياحليل الرجال..الرجال ماتوا في كرري.. الا قلة قليلة تقاوم وتصادم)