:: إن كانت دولة عُظمى بحجم أمريكا لم يتجاوز عدد وزاراتها ( 15 وزارة)، فان هذا السودان الحبيب كان يجب أن يكتفي بخمس وزارات أو أقل، ولكن رئيس الوزراء يتشاور حالياً حول إمكانية تقليص عدد الوزارات من ( 26 وزارة)، حسب ما تنص عليها الوثيقة الدستورية، إلى ( 16 وزارة)، حسب ما يستدعي الحال العام، علماً بأن العدد الذي هم فيه يتشاورون – 16 – كثير أيضاً، ويُعتبر إهداراً للمال في بحر الترهل ..!!
:: فالأنظمة الراشدة تُهيكل أجهزتها – بما فيها الوزارات – بمهنية ومؤسسية، وحسب حاجة الأوطان والشعوب، ولكن في بلادنا – يا كافي البلا – فإن الهيكلة تعني توزيع السُلطات والصلاحيات، ليس حسب حاجة الناس والبلد، بل بحيث يكون هذا التوزيع بمثابة مشاريع توظيف وإعاشة للنخب السياسية والقبلية والجهوية.. وما لا خلاف عليه هو أن هذا النهج البائس من موروثات الإنقاذ و مؤتمرها الوطني..!!
:: واستحفل النهج الكارثي الذي يُهيّكل أجهزة الدولة بالموازنات القبلية والجهوية في آخر سنوات ما قبل الثورة، وصار سرطاناً في جسد الدولة، بحيث كان فحص القوم آنذاك لقبيلة الكادر و معرفة ثقل عشيرته ثم تأثيره على قبيلته و عشيرته أعمق من فحص مؤهله وكفاءته ونزاهته ..وكان طبيعياً أن يخرج أحدهم للاعلام مُتحسراً : ( ظلمنا المسيرية لكن ح نعمل معالجة)، ثم تجد المعالجة صندوقاً أو هيئة أو تقسيم وزارة لخلق وزارة جديدة لترضية القبيلة المظلومة حسب منطقهم الأعوج ..!!
:: قبل التمكين، إدارات صغيرة بالوزارات كانت تصنع المعجزات بلا صخب.. ولكن جاءنا القدر بزمان فيه تم تفصيل الهيئات والمجالس والصناديق حسب مقاسات أطماع النافذين ومراكز القوى، وليس حسب حاجة الناس والبلد.. على سبيل المثال، لقد تظلم وزراء التجارة كثيرا،وقال أحدهم في ذات شكوى : (وزارتي شلعوها)، أي محض جدران بعد أن تسريب كل االسلطات ذات الصلة بحركة التجارة الخارجية إلى (خارج الوزراة).. وما أكثر النماذج لوزارات لم تعد ذات جدوى منذ تجريد إداراتها من السلطات..!!
:: وبعد الثورة، ناشدت حكومة النشطاء بتقليص الوزارات بالدمج والإلغاء، ثم بالتخلُّص من كيانات وهمية تعربد خارج مُؤسّسية الدولة..هيئات، مجالس، صناديق وكيانات كثيرة مُهدرة للمال العام ومُشوهة لهيكل الدولة، وكان يُراد بها ترسيخ التمكين وخلق فرص التوظيف لشيوخ الدنيا.. ولكن – ديوك العدة – لم يستبينوا النصح، بل مضوا على خُطى العشوائية ذاتها، وكأن المقصود بالتغيير هو تغيير الفوضى بالفوضى..!!
:: وعليه فالتحدي أمام كامل ليس إختيار وزراء حكومته، بل هيكلة الدولة بحيث تكتفي بأجهزة رشيقة و فاعلة وذات كفاءة، والتخلص من عشوائيات الإنقاذ.. يُمكن دمج الكثير من الوزارات، ويُمكن إلغاء الكثير من الهيئات والمجالس والصناديق وتحويل سلطاتها إلى إدارات بالوزرات، كما كانت قبل هوس التفكيك بغرض التمكين ..و يُمكن لكامل الإستعانة بخبراء وعلماء الإدارة، وما أكثرهم، ليرسموا له خارطة طريق نحو دولة المؤسسات بدلاً عن دولة الموازنات و الترضيات..!!