اتفاق جوبا للسلام، الذي تم توقيعه في عام 2020، لم يكن اتفاقاً معنوناً باسم شخص أو حركة بعينها، بل كان اتفاقاً شاملاً وواسعاً، أقر مبدأ الاعتراف بالمظالم التاريخية، وإشراك جميع الأطراف التي حملت السلاح أو سعت للتغيير، في صناعة المستقبل الوطني. ومن هذا المنطلق، فإن الأستاذ محمد سيد أحمد سرالختم الجكومي، رئيس كيان الشمال، يملك حقاً شرعياً وقانونياً وأخلاقياً في المطالبة بنصيبه ضمن هذا الاتفاق، تماماً كما فعلت حركتا تحرير السودان والعدل والمساواة.
الصحفي الطاهر ساتي وآخرون ممن استنكروا على الجكومي مطالبته بحقوقه التي كفلها اتفاق السلام، يبدون وكأنهم يمنحون تفويضاً مطلقاً لمناوي وجبريل دون مساءلة، بينما يطالبون الآخرين بالصمت والتراجع. لكن السؤال الأهم: هل اتفاق جوبا حكر على مناوي وجبريل؟
بالتأكيد لا. الاتفاق نَصّ بوضوح على مشاركة كافة الكيانات الموقعة، ومنها كيان الشمال الذي مثله الجكومي، في بناء الدولة، والإسهام في تنفيذ البرامج الانتقالية، وإعادة الإعمار، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
الواقع يثبت أن من يتمسك بالسلطة ويحاول تأبيد وجوده فيها هم من يدّعون تمثيل الهامش، بينما هم أبعد ما يكونون عن قضايا الجماهير. فمنذ توقيع الاتفاق وحتى اليوم، لم يرَ المواطن في دارفور ثمرة تُذكر من تلك المشاركة.
وزراء جبريل ومناوي لم يحدثوا أثراً تنموياً ملموساً في الإقليم، ولم يدفعوا بكوادر مؤهلة تستطيع أن تُحدث فارقاً، بل كانت التعيينات في معظمها تقوم على الترضيات والولاءات الشخصية.
أما المفارقة الكبرى، فهي أن مني أركو مناوي، حاكم دارفور، لم يُمارس سلطاته من داخل الإقليم، ولا جلس في مكتبه بمدينة الفاشر، رغم مرور سنوات على تعيينه، ما يثير التساؤلات حول مدى جدية التزامه تجاه الإقليم وقضاياه.
الأستاذ محمد سيد أحمد الجكومي، ليس طارئاً على المشهد السياسي، ولا ممن يقاتلون لأجل المناصب، بل له تاريخ طويل من البذل والعطاء، والخبرة التنفيذية والسياسية، ويُشهد له بالقدرة والكفاءة، مقارنة بكثير من الوزراء الذين أُسندت إليهم المسؤوليات عبر المحاصصات.
من الطبيعي والمنطقي أن يُطالب الجكومي بحق كيان الشمال وشركائه في السلام، ومن غير المقبول أن يُستنكر عليه ذلك في وقت يُشرعن فيه لغيره الاحتكار والهيمنة.
إن الأداء الضعيف لحكومة الفترة الماضية، جزء كبير منه يعود إلى الاستئثار بالمناصب من قبل فصائل معينة، في مقدمتها حركتا مناوي وجبريل، الذين وضعوا مصالح حركتيهم فوق أولويات الدولة. وقد آن الأوان لرئيس الوزراء د. كامل إدريس أن يُعيد تشكيل الحكومة على أسس الكفاءة والجدارة، لا على أساس الرضا الفصائلي.
يجب أن تنتهي مرحلة المجاملات السياسية، فالسودان يمر بمرحلة مفصلية، تتطلب أصحاب عقول وأيدي نظيفة، لا أصحاب شعارات وعلاقات.
مطالبة الجكومي بحقوقه ليست خروجاً عن المألوف، بل هي تذكير بجوهر اتفاق جوبا وروحه، الذي بُني على الشراكة لا على الاستحواذ. وعلى الذين يهاجمون الجكومي أن يُراجعوا أداء من يدافعون عنهم، ويسألوا أنفسهم بصدق:
من الذي خان الاتفاق؟ ومن الذي ظل صامداً يدافع عن مصلحة الوطن؟