*إلى مني أركو مناوي… حين يضل الحاكم طريق شعبه.. عبدالعزيز الزبير باشا*

في لحظة مفصلية من تاريخ السودان، حيث تُحاصر الفاشر، وتُستباح أرواح المدنيين، وتُنسف مقومات الدولة بيد الميليشيات، يخرج حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي بتصريحات لا يمكن فهمها إلا بوصفها انفصالاً مروعاً عن الواقع الوطني، وتماهياً مقلقاً مع خطاب التمرد…

التاريخ لن يسجل تلك التصريحات كـ” *مبادرة حسن نية* ”، بل كطعنة سياسية تأتي في خاصرة الدولة، في ذروة معركتها الوجودية…

مناوي بصفته مسؤولاً دستورياً وقائداً سياسياً وأمنياً في إقليم دارفور، لا يملك رفاهية الكلام الفضفاض، ولا ترف المناورات الإعلامية. فكل كلمة منه تُحسب على الدولة، وتُترجم على الأرض إما كتحصين للجبهة الداخلية، أو كشرخ جديد في بنيان الوطن.

أن يتحدث عن استعداده للتفاوض مع الدعم السريع وتحالف صمود “إذا لمس رأياً إيجابياً ومعقولاً”، دون أن يُدين بشكل صريح الجرائم الموثقة التي ترتكبها هذه الميليشيا ضد شعبه، هو سقوط أخلاقي وسياسي لا مبرر له….

إن ما يحدث في الفاشر ليس خلافاً سياسياً قابلاً للتسوية، بل مجازر ضد المدنيين، وإبادة جماعية تُرتكب بدم بارد على يد قوات تمرد مدعومة خارجياً، تُمارس القتل والنهب والتطهير العرقي بغطاء خطاب “مدني” يُسوّقه الطابور السادس عبر نخب مرتبطة بمراكز الضغط الدولية…

لم نسمع من مناوي إدانة واحدة لهذه الجرائم، بل سمعنا تبريراً مستتراً لمسارات تفاوض تحت النار. لم نسمع منه استدعاءً لمعاناة النازحين، بل دعوةً مفتوحة لإعادة الميليشيا إلى الطاولة، وكأنها طرف شرعي، لا خنجر في خاصرة الوطن.

الأخطر من ذلك، أن هذه التصريحات تُستخدم اليوم كأداة لإرباك الخطاب الوطني، ولإعطاء رسائل خاطئة للرأي العام المحلي والدولي. فهي تُشرعن عملياً التمرد، وتُضعف شرعية الدفاع الوطني، وتُحول الصراع من معركة بقاء الدولة إلى نقاش فاتر بين “ *أطراف متنازعة* ”، على حد قول بعض الجهات التي تتبنى مقاربات الهروب إلى الأمام…

الحقيقة أن مني أركو مناوي لا يُمثل نفسه فقط، بل يُفترض أن يكون صوت أهل دارفور في الدولة، وحامي مصالحهم، ودرعهم في وجه القوى التي تمزق الإقليم وتعيد إنتاج خطاب التمرد والانفصال تحت مسميات خادعة. لكنه اختار أن يُعطي الأولوية للغة “ *الانفتاح* ”، في وقت يُذبح فيه أبناء الإقليم، وتُقصف فيه مدنه، وتُستباح فيه كرامته على يد قوات لا ترى في دارفور سوى بوابة للارتزاق والتمكين الطائفي…

هذا ليس وقت التفاوض، بل وقت الحسم. وليس وقت “ *اختبار النوايا* ”، بل وقت الثبات على المبادئ. والمبدأ الأول الذي لا مساومة عليه: أن الدعم السريع قوة متمردة، إرهابية، لا يجوز التفاوض معها ولا منحها أي غطاء سياسي أو لغوي..

أما ما يجب على مناوي فعله، فهو واضح لا لبس فيه:

*أولاً:*
إعلان موقف لا يحتمل التأويل بأن الميليشيا عدو مسلح، وأن الجيش السوداني هو المؤسسة الشرعية الوحيدة المنوط بها حفظ أمن الوطن واستقراره…

*ثانياً:*
توجيه كل قدراته السياسية والعسكرية والإدارية نحو دعم جهود تحرير الفاشر، ورفع الحصار عن سكانها، وتعزيز المقاومة الشعبية، لا تجميدها بانتظار “ *رأي إيجابي* ” من القتلة…

*ثالثاً:*
مقاطعة كل المسارات الدولية التي تسعى إلى إعادة تأهيل ميليشيا الدعم السريع أو دمجه في المشهد السياسي السوداني…

*رابعاً:*
الانضمام الفعلي إلى الجهد الوطني العام لإعلان التعبئة الشاملة، ودعم مشروع سيادة الدولة لا مشروع تقاسمها…

*خامساً:*
الكف عن تصدير مواقف رمادية تُستخدم لاحقاً لإعادة تدوير مشروع التمرد، تحت مسميات مثل “ *الشراكة* ”، و” *اللا إقصاء* ”، و” *السلام الشامل* ”.

إن ما يصدر من تصريحات كتصريح مناوي لا يُقرأ داخلياً فقط، بل يُترجم خارجياً على أنه انقسام داخل الدولة، واختلال في الإرادة السياسية، ما يُضعف موقف السودان في المحافل الدولية، ويُغري الداعمين الخارجيين للميليشيا بالاستمرار في مشروعهم التقسيمي…

الوطن لا يحتمل المزيد من المواقف الضبابية، ولا شعب دارفور بحاجة إلى وسيط ناعم بينه وبين قاتليه…

إما أن يكون الحاكم في صف شعبه، أو أن يُحسَب ضمن أدوات الطابور السادس، مهما كانت خلفياته وتاريخه…

لقد انتهى زمن “ *_الحياد_* ”، وانكشفت معاني “ *الواقعية* ” الزائفة.

السودان اليوم لا يحتاج إلى من يتفهم القتلة، بل إلى من يواجههم….

ولا عزاء لمن اختار الصمت أو التبرير، بينما تُطلق النار على ظهر الوطن….

*وطن ومؤسسات…*
*السودان أولاً وأخيرًا…*

*عبدالعزيز الزبير باشا*
*2/8/2025*

مقالات ذات صلة