من الذي أرسل هؤلاء المرتزقة؟ من الذي درّبهم وموّلهم ومنحهم تأشيرات السفر وجوازات العبور وسهّل لهم دخول السودان للقتال في صفوف مليشيا الدعم السريع؟ من الذي سمح لهؤلاء المرتزقة أن يشاركوا في قتل شعبنا واغتصاب نسائنا وتدمير مدننا وانتهاك حرمة أرضنا؟ وهل هذه الجريمة العابرة للحدود تُرتكب بعلم حكوماتهم أم بتواطؤ صامت؟ أسئلة تنزف غضبًا أمام كل مرتزق أجنبي يحمل علم بلده على كتفه وسلاح الدعم السريع على الكتف الآخر ويجوب أراضينا بدم بارد وضمير ميت دون مساءلة أو محاسبة ولم تعد مشاركة المرتزقة في حرب السودان مجرد شائعات أو ادعاءات بل حقيقة دامغة تؤكدها الصور الميدانية ومقاطع الفيديو والتقارير والشهادات الحية لسكان الفاشر ودارفور وكتم الذين رأوا بأعينهم مقاتلين من دول الجوار وأخرى بعيدة يتحدثون لغات ولهجات متعددة وهم ينهبون ويغتصبون ويقتلون دون هوادة ولا خجل ولا أدنى وازع من إنسانية أو شرف فهل هؤلاء جنود رسميون أُرسلوا من حكوماتهم؟ وإن لم يكونوا كذلك فهل دولهم تجهل أنهم دخلوا أرض السودان للقتال؟ وإن كانت لا تعلم فتلك كارثة أمنية وإن كانت تعلم وتصمت فذلك تواطؤ مكشوف وجريمة أخلاقية وقانونية يجب أن تُفضح وتُحاسب
المرتزقة لا يأتون من فراغ ولا يسافرون بطيبة خاطر هناك شبكات تجنيد محترفة وطرق تمويل معروفة وعبور حدودي منظّم وهناك من يسهّل لهم الطريق ويغضّ الطرف عن تحركاتهم وكأن السودان صار ساحة مفتوحة للموت المجاني والتجريب الوحشي وكل ذلك يحدث والعالم يتفرّج والحكومات التي ينتمي لها هؤلاء القتلة تمارس سياسة النفي والتجاهل أو الصمت المشين ومن العار أن لا يُطرح السؤال علنًا ما موقف هذه الدول من مشاركة رعاياها في القتال إلى جانب مليشيا ترتكب مجازر يومية؟ وإن لم يكن ذلك قرارًا رسميًا فلماذا لا تفتح هذه الدول تحقيقًا فوريًا وتحاسب كل من عبر الحدود أو حمل السلاح أو ارتكب جريمة حرب تحت رايتها أو باسمها أو بجنسيتها؟ لماذا لا تتعاون مع لجان حقوق الإنسان والمحاكم الدولية في تسليم المرتزقة ومحاسبتهم؟ لماذا تترك شعوبنا تنزف بينما أبناؤها يرفعون شعارات السلام وحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ويشاركون سرًا في دعم الذبح والخراب في السودان؟
هذه ليست حربًا أهلية كما يزعمون بل حرب مركبة يختلط فيها الداخل بالخارج وتُدار فيها معارك سودانية بأذرع أجنبية من مرتزقة تشاديين ونيجريين وماليين وأفارقة من دول عدة وحتى من خارج القارة جاءوا لينفذوا مشروعًا جهنميًا بمقابل مالي أو وعد سياسي أو صفقة قذرة والنتيجة واحدة أرض محروقة وشعب جائع ونساء مغتصبات وأطفال في المقابر الجماعية لا نطلب من العالم تعاطفًا بل نطالبه بالحد الأدنى من العدالة والمسؤولية نطالبه بوقف تدفق المرتزقة بمحاسبة الحكومات التي تصدر لنا القتلة كما تُصدّر البضائع الرديئة نطالبه أن يقف أمام المرآة ويسأل نفسه كيف يقبل أن تكون دولته طرفًا غير مباشر في هذه المأساة؟ كيف يقبل أن يُرفع علمه في أرض تُنتهك فيها الأعراض وتُغتصب فيها الطفلات وتُسحل فيها الجثث ويُقصف فيها المدنيون؟
الصمت جريمة والمجاملة السياسية خيانة والتواطؤ الدولي لم يعد متسترًا بل صار وقحًا وصريحًا ومفضوحًا وها نحن نقولها بصوت عالٍ من السودان من قلب الخراب من وسط الركام والدم من الفاشر المحاصرة من دارفور المنكوبة إن من يقاتل مع مليشيا الدعم السريع اليوم تحت أي علم أو هوية أو جنسية هو عدو لهذا الشعب عدو لكرامتنا وعدو للتاريخ وإن الدول التي تسكت عنهم وتتركهم يتمددون دون تحقيق أو محاسبة فهي شريكة في هذه الجرائم شريكة في سفك دمائنا وهدم بيوتنا وانتهاك سيادتنا وشرف نسائنا وكل لحظة تأخير في وقفهم تزيدنا يقينًا أن الحرب على السودان لم تعد حرب مليشيا بل مشروع دولي لإعادة تقسيم هذا الوطن فوق أشلاء شعبه
إن المرتزقة الذين يقاتلون باسم المال لا يعرفون عدلًا ولا دينًا ولا شرفًا ولا قيمة للحياة فهم أدوات قتل لا أكثر لكن مسؤولية وجودهم على أرضنا لا تقع عليهم وحدهم بل على من جنّدهم ومولهم وسهّل حركتهم وعلى حكوماتهم التي صمتت وعلى المجتمع الدولي الذي يكتفي بالتقارير بينما الأطفال يموتون جوعًا وقصفًا واغتصابًا والمجتمع الدولي الذي يطالب بالحوار بين الضحية والجلاد نفسه هو من يسمح بمرور قوافل القتلة ويرسل الإغاثات في يد الذابح بينما الضحية تُذبح دون أن تجد حبة دواء أو لقمة طعام
نقولها واضحة وبلا مواربة لا مكان للمرتزقة بيننا لا اليوم ولا غدًا لا نريدهم ولا نريد صمت دولهم ولا نريد تبريراتهم الرخيصة إما أن تعلن الدول موقفها الواضح وتحاسب أبناءها أو فلتتحمّل مسؤولية الجرائم التي تُرتكب باسمها وإما أن توقف هذه المهزلة أو فلتسقط أقنعة الحياد الكاذب فلا يوجد حياد في مواجهة الاغتصاب والقتل والتجويع والترويع
السكوت لم يعد خيارًا والدم لم يعد يُغسل بالماء إنهم مرتزقة لكننا أصحاب الأرض وإنهم مؤقتون ونحن الخالدون هنا في وطننا الذي لا يُباع ولا يُؤجر ولا يُستباح وسنكتب أسماءهم في لوائح الجرائم وسنكتب أسماء دولهم في قوائم العار فكل قتيل بسكين مرتزق هو فضيحة لكل نظام تركه يرحل وكل مدينة محروقة بأيديهم هي وصمة عار على جبين الإنسانية
لن نسامح ولن ننسى ولن نغفر هذا الاحتلال غير المعلن وهذه الحرب الوسخة التي تخاض فينا وبأجسادنا وبيوتنا وكل من صمت شريك وكل من موّل قاتل وكل من أغلق عينيه عن المرتزقة خائن مثلهم
هذه حربنا ونحن نقاتل بشرفهم القذر ونقاوم مرتزقتهم المدفوعين بثمن نحن الفقراء المذبوحين لكننا لن نركع لهم ولن نُهزم وسينتصر السودان رغم أنف العالم المتواطئ والمرتزقة والأنظمة التي صنعتهم وموّلتهم وسكتت عنهم وسنحاسبهم جميعًا ذات يوم قريب.