*قصة قصيرة إلى الفريق إبراهيم جابر وإلى وزير الصحة*

(في أحد أزقة الكلاكلة، جلس عمّ حسن – مريض السكري – يتفقد حقنة الإنسولين التي اشتراها بأضعاف راتبه من صيدلية تجارية. كان يظن أنها ستنقذه، لكنه كل صباح يفحص دمه ليجد السكر ما زال مرتفعًا، كأن الدواء مجرد ماء.
مرّت الأيام، وتقرّحت قدمه بصمت. لم يجد مستشفى مفتوحًا، ولم يجد دواءً مضمونًا. حتى جاء اليوم الذي دخل فيه غرفة العمليات، ليخرج منها بقدمٍ واحدة وحسرةٍ كبيرة.
ظل يردد بصوت متهدّج: “لم أُهزم بالمرض… بل هُزمت بغياب الدولة”.

أين الخرطوم من دوائها ومرضاها؟

كيف يُطلب من المواطن البسيط، المغلوب على أمره، أن يعود إلى الخرطوم بينما مستشفياتها مغلقة، وأبوابها مقفلة، وأصوات الألم تتعالى من كل ناحية؟ كيف يعود مريض السكري الذي لا حياة له من دون الإنسولين، والجهة الوحيدة المسؤولة عن توفيره – الصندوق القومي للإمدادات الطبية – ما زالت أبوابها موصدة، وصيدلياته صامتة؟

لقد سمعنا وعوداً كثيرة، وضجيجاً مؤتمرات إعلامية عريضة حول عودة الإمدادات الطبية إلى الخرطوم، لكن الواقع مؤلم، إذ لا وجود لها على الأرض، ولا أثر عملي يترجم هذا الضجيج إلى حقيقة. فما قيمة التصريحات إن لم تُترجم إلى حقنة إنسولين تحفظ حياة مريض، أو شريط دواء يُسكن ألم جريح؟

بلغنا أن سعر “البندول درب” في الصيدليات الخاصة وصل إلى ثمانية آلاف جنيه سوداني، بعدما تضاعف سعره ثلاث مرات بسبب غياب صيدليات الإمدادات الطبية، تلك التي كانت – قبل الحرب – صمام الأمان للسوق الدوائي، تحكم الأسعار وتوحدها في كل ولايات السودان. اليوم، غابت هذه المؤسسة التي كانت تُعيد للدولة هيبتها في مجال الدواء، فارتفع الطمع، واشتعلت الأسواق، وصار المريض بين فكي المرض وجشع التجار وتُجار الازمات الحرامية …

إن المأساة الكبرى تكمن في أن الخرطوم – قلب السودان – بلا فرع للإمدادات الطبية يعمل، والمرضى يتوهون بين صراعات ولائية واتحادية عقيمة، فيما أرواح الناس تُزهق بصمت. كيف نُقنع مريض الكلى أو القلب أو السرطان أو السكري أن يعود إلى الخرطوم، والمؤسسة الطبية رقم (1) في البلاد غائبة؟ كيف يُكتب له البقاء بلا علاج، ولا سقف يُداوي أوجاعه؟

هذه ليست قضية إدارية، ولا مجرد خلل في التنسيق، بل هي مأساة وطنية، جرح عميق في ضمير الدولة. فالأمن لا يكتمل بلا دواء، والعودة لا معنى لها بلا مستشفيات، ولا كرامة للإنسان إذا تُرك يواجه الموت لأنه لم يجد حقنة أو شريط دواء.

نقولها صريحة: الدولة تتحمل كامل المسؤولية، ومدير الإمدادات الطبية يقف في محك المسؤولية إن لم تعد صيدليات الإمدادات إلى الخرطوم فوراً، وإن لم يُفتح باب الدواء لكل مريض بلا استثناء، فإن كل حديث عن “عودة الحياة” لا يعدو أن يكون شعارات جوفاء، تفتقد لأدنى مقومات الصدق والمسؤولية.

لقد آن الأوان أن تعلو مصلحة المواطن على ضجيج التصريحات وأن يُترجم القول إلى فعل. فإما أن تعود الإمدادات الطبية وتعمل بكامل طاقتها، أو ليعترف المسؤولون بفشلهم أمام الله والشعب والتاريخ….

المرض لا يُقاوم …

ويالحسن تلقي العافية ( حسن الشاعر ) …

——عائشة الماجدي

مقالات ذات صلة