*(لا تُزايدوا علينا)..! ضياء الدين بلال*

-1-
يسألني الصديق العزيز بكري المدني في برنامجه الحواري بقناة أم درمان: لماذا لا تجد كتاباتك رضاء الحكومة والمعارضة معاً؟ !
أنت في تقاطع نيران بين المعارضة والحاكمين.
معاركك الصحفية مع الاثنين، لمن تكتب أنت؟ !
والأسئلة لا تنتهي، والإجابات لا تتوقف….

-2-
وصديقي العزيز نجم قناة الجزيرة القطرية فوزي بشري، يكتب على صفحته المقروءة في فيسبوك معلقاً على ثناء عاطر أكرمني به الحبيب محمد عثمان إبراهيم. فوزي يراني مُهادناً للحكومة، فيشن علي نقداً بود ومحبة، مستنداً إلى موقفه المعارض الذي فيه بعض المكر والدهاء. يكتب فوزي قائلاً:
(أخانا العزيز محمد، ضياء أخونا وصديقنا كما هو أخوك وصديقك، ولا يختلف اثنان على قدراته الصحفية العالية ولغته الصافية الجديدة؛ فهو مورد عذب ضلت عنه قوافل الكتبة. ولا يختلف اثنان في ملكته التحليلية وردِّ شوارد الوقائع إلى نسق يفسرها ويكشف خفي تفرُّقها، فإذا هي تؤمئ إلى أصلها الواحد. وهذا، كما تعلم، من أهم وظائف الصحافة: تمكين الناس من معرفة ما يجري. ولا جدال في جسارة ضياء في “الدواس” إذا رغب فيه أو استُفز إليه؛ فله قلم كالسيف بتار. وهنا بيت القصيد: سيف ضياء يظل في غمده غالب الوقت، ويكتفي بلمس الآخرين بسيطايات رقيقة، وكثيراً بسياط نبتة “العوير”. الأخير كنا نفرح به حين يدس عفريت من الطلاب “سوط العنج”. سيف ضياء الصحفي، صاحب التجربة العريضة، كان مطلوباً أن يقطع في الفساد الناخر في الحكومة).
😚
يواصل فوزي:
(هل نحمل صديقنا ضياء أكثر مما يطيق؟ ربما. لكن ريادته وسلطته القلمية وتجربته الصحفية المميزة تجعل الرجاء فيه أكبر مما توفره الظروف).

-4-
وأرد على بكري:
لا يعنيني غضب المعارضة، ولا رضاء الحكومة أو غضبها؛ نكتب ما نراه حقاً. لا نمالق جهة، ولا نبتز أفراداً أو جماعات.
لا نكتب بحبر ملوث بالخبث أو الغرض، ولا نكتب على لوح المصلحة أو الاسترزاق بالقلم.
لا يحرِّضنا أحد على أحد، ولا نستقطب لتحقيق أجندات آخرين.
لا نعرف صحافة الحملات أو الكتابة بحسب “الظروف”.
نكتب، يا عزيزي، لهذا القارئ الذي يقتطع من رزق أبنائه ليشتري صحيفة تعينه على فهم ما يحدث ومتابعة الأحداث في تفاصيلها وتداعياتها ومآلاتها، وتمييز الحقائق عن الشائعات.
القارئ — كما يقول الراحل أستاذنا حسن ساتي — هو المالك الفعلي للصحف، ومخدّم الصحفيين ودافع مرتباتهم.
نكتب لا لمصلحة جهة أو فرد، بل لمصلحة الدولة السودانية: استقرارها وازدهارها وأمنها ورفاهية مواطنيها، وتجنيبها الفتن.
نكتب ضد ثقافة الإحباط واليأس والمعارك الصفرية.
ننتقد بصدق ونثني على من يستحق.
لا نكذب ولا نلوّن المعلومات ولا نزيّف الحقائق، غضب زيد أم فرح عمرو!
ضميرنا هو الحكم، ومع ذلك نخطئ ونصيب، نسرع ونتعثّر، تضطرب الخطى، لكن لا نضل الطريق. قاعدتنا في ذلك:
الحقيقة ليست كتلة صماء، هي كل مركب؛ بعضها معي وآخر معك. ونستند إلى نصيحة ميخائيل نعيمة: (نصف النهار عند غيرك، نصف الليل عندك؛ فلا تحكم على الزمان بعقارب ساعتك).

-5-
وأرد على صديقي فوزي:
لا أسعى إلى تحويل قلمي إلى سيف، ولا أبتغيه سوطاً على ظهر الآخرين. هو قلم لا يطربه الثناء ولا يرهبه الذم؛ لن نخسر أنفسنا من أجل كسب رضاء الآخرين، ولا نستمطر التصفيق بادعاء المواقف النضالية.
مزاجنا وتكويننا النفسي ضد التطرّف والغلو في العداء والنصرة.
صحيح قد نستفز لأمر عام أو خاص، عدواناً أو تجنياً، فنرد على ذلك بما يستحقه الموقف دون إسفاف أو ابتذال.

-6-
لا ينكر منصف ما قامت به الصحافة السودانية من دور عظيم في توسيع مساحة الحريات في عهد الانقاذ بقدر لا يتوفر في أغلب الدول العربية والإفريقية.
الصحافة السودانية كشفت كثيراً من قضايا الفساد، ودعمت المبادرات الإصلاحية والتصحيحية، وتعامَلت بكل قوة وثبات مع كل الإجراءات العقابية من كل نوع: مصادرات، عقوبات إعلانية، اعتقالات، ضرائب جائرة، وإغلاق منافذ توزيع.
وما تزال صحافتنا تقاوم وتعافر. ومع ذلك، هي الأفضل من حيث الحريات والمهنية وتعامل الحاكمين في كل المنطقة العربية والإفريقية.

فلا يزايد علينا أحد في انتمائنا للوطن والدفاع عن قضايا وهموم المواطنين.
لنا في ذلك — دون فخر — أثر وخلق؛ لنا إرث من الحكمة والحلم وحب الكادحين، ولنا في خدمة الشعب عرق.

-أخيراً —
أقول لك ذلك، صديقي العزيز، لعلمي أنك صاحب عدل وإنصاف وضمير طاهر ونقي، ولكن بُعد المسافة والنظر من البُعد لا يمكّنك من الرؤية الكلية أو رصد التفاصيل؛ فلا تقس علينا بحب، ولا تعاقبنا بسوط العشم.
*من الأرشيف نشر المقال في فبراير 2018.

مقالات ذات صلة