الدوحة- “سودان 4نيوز
تستعد شركة الديار القطرية، الذراع العقارية لصندوق الثروة السيادي القطري، لتوقيع اتفاقية شراكة استثمارية ضخمة مع الحكومة المصرية يوم الخميس بحضور ممثلين عن الجانبين، لتطوير مشروع عمراني وسياحي على ساحل البحر المتوسط، باستثمارات تقدر بنحو 29.7 مليار دولار، وفق ما كشفته مصادر مطلعة لوكالة رويترز.
يُقام المشروع في منطقة علم الروم شرق مدينة مرسى مطروح شمال غربي مصر، في إطار خطة مصرية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتبلغ المدة المتوقعة لتنفيذ المشروع 5 سنوات من تاريخ صدور القرار الوزاري، وتشير التفاصيل الأولية إلى أن الاتفاق بين الديار القطرية وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة في مصر يتضمن دفع 3.5 مليار دولار مقابل الأرض، إلى جانب استثمار عيني بقيمة 26.2 مليار دولار لإنشاء مدينة سياحية متكاملة تمتد على مساحة نحو 4900 فدان وبطول 7.2 كيلومتر من الساحل الشمالي.
وبحسب ما أوردته وكالة بلومبيرغ، ستغطي المرحلة الأولى من المشروع ما بين 20% و25% من المساحة الكلية، وتشمل منتجعات فندقية ومناطق سكنية وتجارية، إضافة إلى مرسى لليخوت ومرافق ترفيهية وتعليمية وخدمية، ويُخطط لأن تكون علم الروم مدينة سياحية عاملة على مدار العام، على غرار مشروعات رأس الحكمة والعلمين الجديدة، التي أصبحت مقصدا للاستثمارات الخليجية في قطاع التطوير العقاري المصري.
يُعد هذا المشروع أول استثمار كبير لقطر في مصر منذ إعلانها نيتها ضخ 7.5 مليارات دولار في مشروعات تنموية خلال العام الجاري، ومن المتوقع أن يشمل المشروع شبكة بنية تحتية حديثة ومستدامة، تضم محطات طاقة وتحلية مياه ومرافق بيئية متطورة، ما يجعله أحد أكبر مشاريع التطوير العمراني الخاصة في الساحل الشمالي.
وتشير التقارير الاقتصادية إلى أن هذه الخطوة تمثل تحولا في الاستراتيجية الاستثمارية القطرية التي تركز عادة على الطاقة والقطاع المالي، بينما تتجه اليوم إلى العقارات والسياحة والبنية التحتية في الأسواق الإقليمية، وعلى رأسها مصر التي تعاني من ضغوط اقتصادية كبيرة، ويُتوقع أن يدر المشروع إيرادات سنوية تقارب 1.8 مليار دولار، على أن تحصل الحكومة المصرية على نسبة 15% من الأرباح بعد استرداد المستثمرين لتكاليفهم.
ويرى محللون أن هذه الشراكة تأتي في وقت تواجه فيه مصر أزمة مالية حادة مع ارتفاع الدين الخارجي وتراجع الاحتياطي النقدي، وتسعى الحكومة إلى استقطاب رؤوس أموال خليجية لتخفيف الضغوط الاقتصادية وتمويل مشاريعها العمرانية، ما يجعل الاستثمار القطري يحمل أبعادا اقتصادية وسياسية متشابكة، بعد سنوات من الجمود، وعودة قطر تدريجيا إلى المشهد الاقتصادي المصري.
ويعتقد خبراء أن الديار القطرية تراهن على قطاع العقارات الفاخرة والسياحة في ظل ارتفاع الطلب المحلي والدولي على المدن الساحلية الجديدة، فيما يمنح موقع مرسى مطروح- على بُعد نحو 480 كيلومتراً من القاهرة- فرصاً كبيرة لجذب المستثمرين والسياح.
تقع علم الروم على بعد 12 كلم شرق مدينة مرسى مطروح، وسُمّيت بهذا الاسم نسبة إلى حصن روماني قديم لا تزال آثاره قائمة، وتتميز بشواطئها الهادئة ومياهها الصافية، ما جعلها وجهة مفضلة للسياحة العائلية والصيد، ويراهن المشروع الجديد على دمج القيمة التاريخية والطبيعية للمكان مع نموذج التنمية المستدامة الذي تتبناه مصر في مشروعاتها الساحلية، بحيث تجمع المدينة بين السياحة البيئية، والاستثمار العقاري، والخدمات التجارية الحديثة.
أدت الأنباء عن المشروع إلى تحركات إيجابية في الأسواق المالية المصرية، حيث ارتفعت السندات السيادية بنحو 0.4 سنت لتسجل الأوراق المستحقة في عام 2050 حوالي 94 سنتا للدولار بعد فترة من التراجع، ويرى محللون أن توقيع الصفقة يمثل إشارة ثقة من المستثمرين الخليجيين في قدرة القاهرة على تهيئة بيئة استثمارية أكثر استقرارا، ما قد يسهم في تحسين تصنيفها الائتماني واستعادة الثقة في سوقها المالية.
لا تقتصر أهمية المشروع حسب مراقبين على حجمه الاقتصادي فحسب، بل تمتد إلى إعادة رسم مسار العلاقات بين قطر ومصر بعد سنوات من الفتور السياسي، وتُعد الصفقة جزءاً من حوار اقتصادي أوسع بين البلدين يشمل مجالات الطاقة والتمويل والنقل، في وقت تسعى فيه القاهرة إلى تنويع مصادر تمويلها، والدوحة إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي في المنطقة، وتشير مصادر إلى أن الطرفين يدرسان إنشاء صندوق استثماري مشترك لتطوير مشاريع إضافية في مجالات الموانئ والخدمات اللوجستية والتعليم.
ورغم التفاؤل المحيط بالمشروع، يرى اقتصاديون أن نجاح الشراكة القطرية المصرية سيعتمد على مدى وضوح الإجراءات التنظيمية والقدرة على تجاوز البيروقراطية المحلية، ويشير بعض المراقبين إلى أن البيئة الاستثمارية المصرية لا تزال تواجه تحديات تتعلق بآليات تخصيص الأراضي، وحماية المستثمرين الأجانب، وضمان تحويل الأرباح، لكن في المقابل، يمكن أن يشكل المشروع نموذجا ناجحا لتعاون عربي-عربي قائم على المصالح المشتركة وليس على التمويل الطارئ أو المساعدات قصيرة الأمد.




