لم تعد في دفاتر الأحزان صفحةٌ تُقلب، فقد امتلأ الكتاب وطفحت هوامشه، والحرب الكارثية (لاهية بنا لاعبة). وفي غمرة هذا الخراب، مضى إلى الضفة الأخرى من الحياة عمار محمد آدم، تاركًا وراءه فراغًا يضجّ بالأسى، وواقعًا أكثر قسوة وبؤسًا مما نحتمل.
(1)
الكتابة عن عمار ليست مهمة عابرة؛ فهو ليس شخصًا مرَّ في الحياة مرورًا خفيفًا، بل كان ظاهرة إنسانية متعدّدة الوجوه.
كان كريمًا، شهمًا، محبًا للناس بلا حساب، وكان واحدًا من ملامح الخرطوم النابضة في نهاراتها وأمسياتها، في وسط الخرطوم (شارع الجرائد).
(2)
ورغم اختلاف الرؤى والمواقف والمنطلقات، جمعنا ودٌّ ثابت واحترام متبادل، وحكايات تمتد من شوارع وأزقة “الخرطوم شرق” إلى عتمات الليل الطويل. وكان — بطيب نفسه — يدعونا إلى بيته من حين لآخر، وهو يقول بطريقته العفوية:
“يا بركية… بكرة الغداء معانا في البيت. في كسرة ظابطة… وكلم معاك أبوبكر الأمين.”
(3)
مضى عمار إلى رحاب ربه ونحن متشردون في المنافي… تلك قسوة لا تُحتمل، وحرمان يضاعف الوجع.
اتفق الناس معه أو اختلفوا، يبقى عمار — بصخبه وضحكه، بهتافاته وكتاباته، بحكاياته التي لا تنتهي عن كسلا وجامعة الخرطوم والقرير والسكة حديد وبيوت الأشباح— أحد أبرز المعالم الإنسانية والثقافية والاجتماعية في قلب الخرطوم.
(4)
وخلف ذلك الصوت العالي وتلك الخشونة الظاهرة والهتافات المدوية… كان عمار يحمل قلب طفل.
اللهم ارحم عمار محمد آدم، وامنحه سكينةً تليق بروحه المتعبة، واجعل قبره روضة من رياض الجنة.
#السودان
#الخرطوم




