*مليشيا أولاد قمري… البداية والنهاية..د عبدالشكور حسن احمد المحامى*

لم تكن دنقلا يوماً مسرحاً لعصابات منظمة، ولا كانت تلك البقعة الهادئة تعرف لغة السلاح ولا رائحة الرعب. لكنها، شأنها شأن كثير من المدن السودانية، وجدت نفسها في لحظة حرجة بين فوضى ما بعد سقوط الدولة وتآكل هيبة القانون، فبرزت من الظلال مجموعة إجرامية تسللت أولاً على استحياء، ثم تمددت كالنار في هشيم القرى، حتى صارت اسماً يتداوله الناس همساً… مليشيا أولاد قمري.

منذ عام 2015 بدأت الملامح الأولى لهذه المجموعة تتشكل على هيئة عصابة صغيرة، لا تتجاوز بضعة أفراد من التوأمين حسن وحسين، ومعهما نفر من المجرمين العاديين ممن خبروا دروب التهريب بين ليبيا وشمال السودان. كانت عصابتهم البدائية تعتمد على نهب عربات الذهب القادمة من الصحراء، وخطف السيارات العابرة من ليبيا نحو السودان، مستغلين هشاشة الأمن في تلك الفترات، وغياب الرقابة على الطرق الصحراوية التي لا يمر بها إلا الشجعان أو المغامرون.

غير أن نقطة التحول الحاسمة جاءت بانضمام (السافنا) الجنجويدى إليهم؛ ذلك الرجل الذي عرف دهاليز تجارة السلاح، وخبرة المركبات ذات الدفع الرباعي، وفتح لهم أبواباً جديدة لم يكونوا يتخيلونها. بالانضمام ااسافنا المجرم وبعض افراد الجنجوبد ، انتقلت العصابة من مجرد مجموعة صبية مسلحين ببنادق متهالكة، إلى جسم منظم يمتلك سيارات مجهزة، وشبكة إمداد، وصلات تمتد من دنقلا إلى الدُّبَّة وبعض قرى المحس.

ومع اقتراب ثورة ديسمبر، كانت العصابة قد نمت في الظل، تستغل انشغال الدولة بالاضطرابات السياسية. لكن المفاجأة أن الثورة لم تُضعفها بل منحتها فضاءً أوسع، إذ تراجع وجود الدولة، وتكاثرت الثغرات الأمنية، فظهرت هذه المجموعة جهاراً نهاراً. لم تعد تضرب وتختفي، بل أصبحت تجوب الطرقات بسيارات مزودة، وسلاح ظاهر، ولا أحد يجرؤ على استيقافها.

هنا بالضبط بدأت مرحلة (الساعد والناب)، حين تحولت من عصابة محلية إلى مليشيا منظمة لها تمويلها وصلاتها، تعمل في ثلاث مجالات سوداء كانت سبب ثرائها الفاحش:

لم يكن تدفق السلاح من ليبيا إلى السودان سراً، ولا كانت المليشيات الليبية بعيداً عن متناول هذه الجماعة. وجد أولاد قمري الفرصة سانحة لتهريب السلاح بأنواعه، من الخفيف حتى المتوسط، مما جعلهم رقماً مزعجاً في ميزان الأمن. كل قطعة سلاح تمر عبرهم كانت تزيدهم قوةً وغطرسة.

معرفة الطرق الصحراوية، وغياب نقاط التفتيش، وامتلاكهم مركبات صحراوية متمرسة في المسارات الوعرة… كل ذلك جعلهم (ناقلين ممتازين) لشحنات المخدرات، خصوصاً الحبوب المخدرة القادمة من غرب أفريقيا. هذه التجارة فتحت لهم باباً للمال السهل، فاشتروا الولاءات، وملأوا جيوب المرتزقة، ووضعوا أقدامهم بثبات في عالم الجريمة الكبيرة.

أقسى جرائمهم وأكثرها وحشية. استغلوا يأس المهاجرين غير الشرعيين، ونقلوهم عبر الصحراء كأنهم قطعان، لا رحمة ولا إنسانية. كثيرون اختفوا في رحلتهم تلك، وكثيرون ابتلعتهم الرمال قبل أن يصلوا ليبيا أو مصر. ومع ذلك، كانت الأرباح تتدفق عليهم بلا توقف.

ومع اندلاع الحرب اللعينة في السودان، وصلت هذه المليشيا إلى ذروة قوتها. فالفراغ الأمني منحها حرية مطلقة، والسلاح منتشر، والطرق بلا سلطة، والقرى مرتجفة تبحث عن حماية لا تجدها. تمددت من دنقلا العرضي إلى الدّبَّة، واخترقت بعض قرى المحس، حتى ظن بعض الجهلة أن لها نفوذاً يشبه الجيوش. حتى وصل بها الامر ان داهمت سجن دنقلا كما كانت تداهم اقسام الشرطة لساندة افراد المقبوضين للهروب من القانون

لكن مهما طال الليل، فالفجر لا بد ان يأتى
كانت العملية التي كشفت ظهر هذه المليشيا هي عمليتهم الأخيرة، حين هاجموا عربة تجارية تحمل ذهباً، قرب منطقة بين دنقلا العرضي والدبّة. باغتوا السائقين، أطلقوا النار، وأرهبوا الركاب، لكن لم يعلموا أن مجموعة من قوات نظامية كانت تراقب تحركاتهم منذ أسابيع. فصار امر انضمامها للجيش واجب لقص الجناح ولكن رفض قائدهم الانضمام للجيش واغتر بانهم يحمل رتبة لواء منحت له من درع السودان اشتبكت القوة معهم اشتباكاً عنيفاً، سقط فيه عدد من أفراد العصابة، وفرّ الباقون مخلفين أسلحتهم وبعض ممتلكاتهم.

هذه العملية وضعت نهاية الأسطورة المزيّفة.
سقطت هيبتهم، وتشتت جمعهم، وتفرّق فلولهم بين ليبيا وتشاد وبعض جيوب الصحراء.
القرى التي كانت ترتعد من اسمهم أصبحت تحكي عنهم كذكرى قبيحة عبرت ثم اختفت.

مليشيا أولاد قمري كانت نموذجاً لما تصنعه الفوضى حين تغيب الدولة:
مجموعة صغيرة تبدأ بنهب عربة، ثم تكبر وتنتفخ حتى تظن نفسها قوة لا تُقهر. فدخلت فى اتفاق مع قوات درع السودان ووصلوا كردفان دون اذن من القيادة العامة وعادوا وتمركزوا قرب السوق الشعبي بدنقلا. ومعها العشرات من المركبات القتالية دون اذن من القيادة طلبت منهم لجنة الامن وقيادة الفرقة الانضمام الى الفرقة فرفض قائد الملبشيا الذى رضع من نفس كاس حميدتى ولكن نفد صبر الجيش وتقدم الى معسكرهم وتم القبض الى التوم قائد العصابة واستلام عدد مقدر من المركبات
لكن الإجرام مهما تضخم، ينهار في النهاية أمام القانون، وأمام وعي الناس، وأمام سقوط أسطورة الخوف.

لقد انتهوا كما تبدأ كل عصابة:
بالدم، والخيانة، والهروب في ليل الصحراء.

والاشادة والثناء لقوات الشعب المسلحة ورحمة والمغفرة للشهداء ونوصى بضرب راس الحية وقطع الراس والزيل حتى تنتهى تلك الافاعى التى روعت دنقلا الحبيبة
حفظ الله السودان ارضا وشعبا
والله المستعان
د عبدالشكور حسن احمد
المحامى

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole