*السودان ومبادرة بولس: سلامٌ بشروطنا… وسيادة غير قابلة للمساومة..*د. عبدالعزيز الزبير باشا* *27/11/2025*

لم يعد السودان يتعامل مع مبادرة المبعوث الأميركي مسعد بولس بوصفها “عرض سلام”، بل باعتبارها اختبارًا سياسيًا: هل يحترم العالم دولةً عمرها آلاف السنين، أم يريد هندستها بالطريقة التي تناسب العواصم الغربية؟

*الموقف السوداني واضح ومباشر:*
السلام ممكن… لكن ليس على حساب وحدة السودان أو سلطته على أرضه.

*أولًا: الخرطوم لا تقبل حدودًا جديدة تحت مسمى “مناطق آمنة”*
أي ترتيبات إنسانية أو أمنية تُنتج واقعًا تقسيميًا، أو تمنح ميليشيا الدعم السريع المتمردة شرعية سياسية أو ميدانية، مرفوضة تمامًا.
السودان يعتبر هذا خطًا أحمر: لا مناطق نفوذ… ولا خرائط تُرسم فوق الرماد.

*ثانيًا: السلاح للدولة وحدها*
لا معنى لوقف إطلاق نار يُبقي مليشيات مموَّلة من الخارج تعمل كجيوش موازية.
ما يُطرح الآن هو تجميلٌ لواقع خطير: محاولة تدويل الأمن السوداني عبر “لجنة دولية” تدير السلاح وتراقب الهدنة وتفرض ضمانات على الدولة نفسها. وهذا يعني عمليًا انتزاع القرار الأمني من الخرطوم.

*ثالثًا: الموانئ والموارد والسيادة ليست جزءًا من أي صفقة*
الورقة الأميركية تلمّح—بأسلوب ناعم ظاهريًا—لإدارة دولية للمساعدات والموارد تحت لافتة الشفافية والحياد.
السودان يرفض أن يُخلق “حاكم مالي” أو “مدير دولي” فوق مؤسساته.

الورقة الأميركية المسرَّبة: إعادة تشكيل الدولة… قبل بدء التفاوض
مصادر حكومية رفيعة كشفت أن بولس قدم ورقة تتضمن تحديدًا مسبقًا لمخرجات الحوار السياسي قبل أن يبدأ أصلًا—من إعادة تشكيل الجيش، إلى رسم معالم الانتقال، إلى إنشاء هياكل فوق وطنية لمراقبة السودان.
أقرب وصفٍ لما طرحه بولس: خطط لإعادة هندسة الدولة من الأعلى إلى الأسفل.

*1. إعادة تشكيل الجيش من الصفر*
الوثيقة تدعو لبناء “جيش وطني جديد” خاضع للسلطة المدنية، مع استبعاد أي شخصيات ذات انتماء سياسي أو “إسلامي”. وتشمل:
• تفكيك الأجهزة الأمنية الحالية،
• إعادة بناء قطاع الأمن بالكامل،
• إنهاء أي جهاز موازٍ.
في الظاهر: إكذوبةإصلاح.
في الجوهر: تجريد الدولة من أدوات قوتها وتسليم مفاتيح الأمن لعملية دولية طويلة ومعقدة.

*2. نزع سلاح ودمج كل القوات غير النظامية*
الهدف المعلن: إنهاء تعدد الجيوش.
لكن التنفيذ—بحسب الوثيقة—سيتم تحت إشراف دولي مباشر.
وهنا مكمن الخطورة: القوة الفعلية على الأرض ستُدار من غرف مراقبة دولية، لا من القيادة السودانية.

*3. لجنة دولية لإدارة وقف إطلاق النار*
الاقتراح الأخطر هو إنشاء “لجنة دولية” بقيادة ممثل تختاره الرباعية يمتلك صلاحيات واسعة، منها:
• مراقبة وقف إطلاق النار،
• فرض الضمانات،
• تأمين الممرات الإنسانية،
• حسم الخلافات داخل اللجنة وليس داخل الدولة.
بمعنى آخر: نقل مركز التحكم في الصراع السوداني إلى خارج السودان.

*4. عودة النازحين واللاجئين بإشراف دولي واسع*
مطلب عادل من حيث المبدأ، لكنه يتحول هنا إلى مدخل لإعادة ترتيب المشهد السياسي والاجتماعي تحت رعاية خارجية، وتحديد المسؤوليات والتعويضات بطريقة تُضعف موقف الدولة وتُنشئ واجهات قانونية جديدة فوق مؤسساتها.

*لماذا يشارك السودان في مبادرة بولس؟*
*ليس ضعفًا، وليس تنازلًا.*
هذه مناورة سياسية مدروسة: المشاركة تمنع الآخرين من كتابة مستقبل السودان في غياب السودان، وتمنح الخرطوم مساحة لإعادة ضبط الإيقاع السياسي والأمني.
السودان يدخل المبادرة ليمنعها من التحول إلى وصاية… لا ليقبلها كما صاغها بولس.

*الخلاصة:*
السلام ليس ورقة تُفرض… بل قرار سيادي
السودان لا يعارض السلام، لكنه يرفض سلامًا يعيد رسم خريطته على طاولة الرباعية.
مبادرة بولس قد تكون تمويهًا، وقد تكون فخًا.

*والفيصل بسيط:*
هل يحترم العالم وحدة السودان وسيادته؟
أم يواصل التعامل معه كأرض مفتوحة للضغوط والمساومات؟

*والسودان يقول:*
السيادة أولًا وأخيرًا… والوحدة خط أحمر… وأي خطة تتجاوز هذين الأساسين لن تمر.

*وطن ومؤسسات…*
*السودان أولًا وأخيرًا…*
*د. عبدالعزيز الزبير باشا*
*27/11/2025*

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole