البيرقدار عربونا للتقارب بين تركيا ومصر
القاهرة- نجحت تركيا في الاستثمار سياسيا في التفوق العملياتي الذي أظهرته طائراتها المسيرة المعروفة ببيرقدار في الميادين التي حلّقت فوق سماواتها في المنطقة مؤخرا، ومع إعلان وزير خارجيتها هاكان فيدان موافقة أنقرة أخيرا على تزويد القاهرة بها قد تلعب المسيّرات دورا دبلوماسيا في تعزيز العلاقات بين البلدين.
جاء تصريح فيدان عقب تواتر معلومات حول قيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة القاهرة في الرابع عشر من فبراير الجاري والتباحث مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي حول قضايا عديدة، وهي أول زيارة له منذ أن أعاد البلدان العلاقات الدبلوماسية بينهما ورفعاها إلى مستوى تبادل السفراء العام الماضي.
وربط متابعون بين تزويد تركيا لمصر بطائرات بيرقدار وبين زيارة أردوغان المؤجلة، فقد تردد سابقا أن الزيارة كان من المفترض أن تتم قبل نهاية العام الماضي وتأجلت لأسباب لم يتم الإفصاح عنها، لكن التفسير المنطقي قال إن هناك أمورا معلقة لم يتم حسمها وثمة قضايا في حاجة إلى المزيد من التفاهمات.
زيارة أردوغان إلى القاهرة يمكن أن تسهم في وضع النقاط الأخيرة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وتركيا
وقال رئيس وحدة العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية أحمد قنديل إن لقاءات عقدها السيسي وأردوغان في قطر والسعودية، ووزيرا خارجية البلدين في القاهرة وأنقرة، حملت ملامح إيجابية بشأن الحرص على تطوير العلاقات ووصولها إلى مستوى عال من المتانة السياسية، ومحاولة ترقيتها من الدرجة التكتيكية إلى الإستراتيجية بعد تصاعد التوترات في أكثر من بقعة في الشرق الأوسط.
وأضاف قنديل في تصريح لـ”العرب” أن أنقرة قدمت ما يثبت تخليها في الوقت الحالي عن ورقة جماعة الإخوان وقدمت جانبا مما كانت تنتظره القاهرة منها حيال تسليم عدد من المطلوبين، ولم تعد عناصر الإخوان في تركيا مؤثرة في حرارة العلاقات المرتفعة تدريجيا بعد خروج عدد كبير منهم وتقليص ما يبثه الإعلام من برامج سلبية تجاه النظام المصري.
وأوضح قنديل أن إعلان تركيا تزويد مصر بطائرات مسيّرة يفسر على أكثر من وجه، فالتعاون في هذا المجال يدخل في بند الصداقة، لأن الدول التي تصدّر أسلحة متقدمة لا تمنحها لدول معها خصومة أو عداوة، وربما يتم الإعلان عن تفاصيل الصفقة خلال زيارة أردوغان إلى القاهرة والكشف عن أبعاد مهمة في العلاقات المشتركة.
وتوصلت القاهرة وأنقرة إلى قناعة بأن التعاون أفضل من المناوشات والصدامات، وعلى هذه القاعدة يمكن ردم الفجوة، وتنقية الأجواء الثنائية قبل الولوج إلى تصعيد أطر التعاون في منطقة ملتهبة وتنتابها عواصف عدة قد تكون لها انعكاسات إيجابية عليهما إذا أحسنتا إدارتها، أو سلبية إن أساءتا التعامل مع تداعياتها.
وأكد فيدان لمحطة محلية أن أردوغان سيناقش مع السيسي القضايا الثنائية والإقليمية، منها التجارة والطاقة والأمن، قائلا “تطبيع علاقاتنا مهم بالنسبة إلى مصر لكي تكون لديها تقنيات معينة، لدينا اتفاق لتزويد (مصر) بطائرات مسيّرة وتقنيات أخرى”.
oo
وزاد الطلب الدولي على الطائرات التركية المسيّرة بعد ثبوت فعاليتها في صراعات سوريا وليبيا وأذربيجان وأوكرانيا، كما أن إثيوبيا التي لها علاقات فاترة مع مصر من بين المشترين لهذا النوع من الطائرات التركية.
ومن الصعب خلق علاقات متطورة مع وجود قضايا شائكة بين البلدين، في مقدمتها الأزمة الليبية، فرغم الهدوء الحاصل فيها بشأن الملفات الخلافية مع القاهرة، إلا أن أنقرة لم تبدل كثيرا في موقفها من دعم حكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس ووجودها العسكري هناك ومساندة الميليشيات والمرتزقة في الغرب، لكنها أرسلت لمصر إشارات بإمكانية التعاون على قاعدة المصالح المشتركة في غرب ليبيا وشرقها.
وسهّلت التفاهمات الضمنية الطريق للمزيد من اقتراب القاهرة مع قيادات في الغرب الليبي وهو مركز رئيسي لنفوذ أنقرة، واقتراب أنقرة السياسي والاقتصادي من الشرق الليبي وقادته الذين يحتفظون بعلاقات متينة مع مصر، ويقود توسيع التفاهم بين الجانبين إلى تنسيق في التعامل بينهما مع إدارة الأزمة المضطربة في الفترة المقبلة.
القاهرة وأنقرة توصلتا إلى قناعة بأن التعاون أفضل من المناوشات والصدامات، وعلى هذه القاعدة يمكن ردم الفجوة، وتنقية الأجواء الثنائية
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن صفقة شاملة يجري النقاش حولها بين البلدين، تشمل ليبيا والخلاف حول شرق البحر المتوسط، وبعدهما يأتي التعاون الأمني والإقليمي، فلم تقدم تركيا تنازلات ملموسة في موقفها من ليبيا، وبانتظار تعاون مصر معها في شرق المتوسط، خاصة أن الزخم الذي حظي به المنتدى الخاص بالتعاون بين دوله، والذي لا يشمل تركيا، ظهرت عليه علامات فتور تصب في صالح أنقرة.
وذكرت المصادر المصرية ذاتها لـ”العرب” أن تصفير المشكلات بين القاهرة وأنقرة يمكن أن يفيد كلتيهما في تفكيك بعض التعقيدات التي تواجه أحد الطرفين بعيدا عن الآخر، فعلاقات تركيا بإثيوبيا تفيد القاهرة في أزمتها مع أديس أبابا بشأن سد النهضة، وحصول الجيش المصري على طائرات بيرقدار يفتح لأنقرة أسواقا أكبر في المنطقة.
ولم تستبعد المصادر أن تكون المساندة التي وفرها البلدان لأسباب مختلفة للجيش السوداني في حربه مع قوات الدعم السريع، أسهمت في فتح نافذة لإمكانية التعاون على نطاق أوسع.
وأبدت القاهرة تمسكها بمنتدى غاز شرق المتوسط والتنسيق التام مع دوله سابقا، وأبرزها اليونان وقبرص، وفي كل مرة جاء الحديث عن تطور في العلاقات مع أنقرة كانت مصر تؤكد أنه لن يكون على حساب أيّ من دول المنتدى.
وهناك تحولات تؤثر في هذه المعادلة التقليدية، أهمها المرونة التي تبديها تركيا في علاقاتها مع اليونان وقبرص ما يرفع الحرج عن القاهرة إذا طرح اسم أنقرة للانضمام إلى المنتدى.
وشدد قنديل لـ”العرب” على أن زيارة أردوغان إلى القاهرة يمكن أن تسهم في وضع النقاط الأخيرة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وتركيا، وفتح المجال أمام تطوير حقول الغاز وإنعاش اقتصادهما، وتعظيم التبادل التجاري بالعملات المحلية.