في إطار التعرف على قراءة النخب الإعلامية و السياسية المطلعة في السودان على تطورات الوضع في السودان و على تداعيات التدخل الايراني على تاجيج الحرب كان لنا هذا الحوار مع الصحفي و المحلل السياسي ماهر ابو جوخ .
*س :- ماهي مظاهر التدخل الايراني في السودان*
مظاهر التدخل الإيراني الفعلي متصلة بإمداد الجيش بالأسلحة والذخائر بما في ذلك المسيرات ذات الإستعمال العسكري من طراز مهاجر ووضحت هذه الأسلحة في مسار المعارك التي شهدها السودان بشكل واضح منذ بداية العام الحالي ولكن الظهور الأبرز لها كان في المعارك العسكرية التي سبقت دخول قوات الجيش والمجموعات المتحالفة معه لمبني الإذاعة والتلفزيون بأمدرمان في منتصف مارس الماضي، وطبعا كل هذه التطورات تزامنت ومؤكد ليس مصادفة مع الخطوات ذات الصلة بتطبيع العلاقات بين الخرطوم وطهران وإيقاعها المتسارعة وكل هذه المعطيات لم تأتي وليدة الصدفة ولكنها فعلياً نتاج هذا التطور في العلاقات.
*س: هل تملكون معطيات حول أعمال سلاح الجو الايراني نوعيتها و مخلفاتها*
لا نمتلك معلومات تفصيلية بإعتبرنا غير منخرطين في هذه الحرب على الأرض ولكن الشواهد على الأرض تؤكد وجود هذه الأسلحة فبخلاف التقارير الإعلامية التي أشارت لوجود حركة طيران من المطارات الإيرانية صوب السودان تحدثت قوات الدعم السريع في فبراير 2024م عن إسقاطها لطائرة بدون طيار من طراز مهاجر 6 الإيرانية وهو ما أعتبرته حينها قوات الدعم السريع دليلاً على تورط طهران في الصراع وإمدادها للجيش السوداني بالسلاح، ومؤخراً أعلنت مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية الدائمة بمجلس الأمن ليندا جرينفيلد في تصريحات نقلتها وكالة (رويترز) في 12 أبريل الجاري، بأن بلادها حثت دول المنطقة للضغط على إيران لعدم التدخل في الحرب السودان. نخلص من كل هذه المعطيات أن الشواهد موجودة للتدخل الإيراني وعلى رأسها إمداد الجيش السوداني بالمسيرات خاصة من طراز “مهاجر” بالاضافة للذخائر التي كان الجيش يواجه شحاً كبيراً فيها جراء سيطرة الدعم السريع على مؤسسات التصنيع الحربي خلال الشهور الأولي للحرب.
*س: ماهي تداعيات هذا التدخل العسكري الايراني على الاحداث في السودان وعلى امن السودان و المنطقة*
مؤكد أن هذا التدخل شأنه شأن كل التدخلات الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط وهو يترتب عليه بداية إطالة أمد الحرب ويمثل تهديداً للأمن والسلم الإقليمي والدولي والنتيجة الأساسية له إطالة أمد الحرب في السودان ومنح التيار المتمسك بإستمرار الحرب سانحة لرفض وقفها، إلا أن خطورة إستمرار الحرب في السودان يتمثل في تحولها لحرب أهلية ذات طابع إقليمي نظراً لوجود تقاطعات وممارسات إجتماعية تتجاوز حدود الدولة السودانية وتتدخل في دول أخرى وهذا بدوره كفيل بإشعال وإحراق المنطقة بأسرها وفي ظل وجود داعمين لإستمرار الحرب وممولين لها يستفيدون منها إقتصادياً في الحد الأدني من خلال بيع الاسلحة وتحويل البلاد لساحة عرض وإستخدام لتلك الأسلحة.
من المؤكد أن النتيجة الأسوء هو تمدد مساحات الحرب لتشمل مناطق جديدة وربما تقود كل الإقليم للإنزلاق في أتون حرب الكل ضد الكل وهو ما سيعقد المشهد ويجعل فرص إنهاء الحرب أكثر تعقيداً جراء وجود أطراف جديدة في هذا الصراع لكونه لن يقتصر عند تطوره على طرفيها الحاليين ممثلين في الجيش وقوات الدعم السريع ولكنها كالحرب في الصومال تبدأ بأطراف محدودة ومع إستمرارها وتمددها تنتج أطراف جديدة فاعلة وموجودة على الأرض وهو ما سيخلق تعقيدات إضافية مستقبلاً عند حل الأزمة وإنهاء الحرب التي ستنتهي في يوم من ذات الأيام إلا أن تكلفة الإنهاء المبكر أفضل حالاً من وقفها بعد مرور سنوات أو عقود ومن المؤكد أنها قابلة للإستمرار والتمدد طالما أطراف إقليمية تتولي مهمة تسليح أطرافها بشكل مستمر كما تفعل طهران حالياً.
*س: كيف تتصور مستقبل هذا التدخل على الاوضاع في السودان و المنطقه*
كما ذكرت سابقاً فإن تداعيات هذا التدخل على الأوضاع والمنطقة هو إنزلاق في أتون الحرب الأهلية الشاملة التي تتجاوز الحدود الجغرافية للدول بدفع الكيانات الإجتماعية المشتركة للإنخراط فيها، ومن الواضح أن طهران تتحرك في هذا الأمر من زاوية تعزيز الوجود إذا كان متاحاً من خلال الإنتقال عبر السودان لمناطق أخرى أبرزها ليبيا وتعميق وجودها في منطقة البحر الأحمر، لكن هذا التحرك يستبطن البعد التكيكي المرحلي لكونه يوظف هذا الوجود لتعميق وتعزيز وجوده في مناطق نفوذه الإستراتيجي خاصة في العراق وسوريا وجنوب لبنان لكون السودان وليبيا خارج دائرة نفوذها التاريخي الإستراتيجي وفعلياً يكون قايض ما لا يملك في الأساس وخارج دائرة نفوذه بمناطق يسعي للهيمنة عليها فعلياً وهذا يقودنا للإجابة على سؤال أساسي مرتبط بالمطالبة الأمريكية لدول بالمنطقة لإقناع طهران بكف يدها عن التورط في الصراع في السودان وهذا في تقديري هو المدخل لتاسيس مفهوم المقايضة بمعني “نعم يمكن أن نكف يدنا عن السودان لكن مقابل ماذا نقوم بهذا الأمر؟!”.
أعتقد أن الإجابة واضحة صحيح قد تخضع للمساومات والمقايضات لكن الفكرة الجوهرية أن طهران قايضت بأمر لا يمثل ضرورة قصوي بالنسبة لها مقارنة بجوانب مهمة لها ليس شرطاً أن يكون الحافز تعزيز نفوذ في منطقة ما ولكن قد يكون تخفيف إجراء ضاغط هنا أو هناك يمكنها من الإستفادة من وجودها، مع ضرورة التنبيه إلي انها تخوض حرب السودان ليس كما يحدث في سوريا وجنوب لبنان والعراق بإعتبارها مناطق عمق إستراتييجي وإنما تمارس المشاركة في الحرب ببيع السلاح وليس تقديمه مجاناً لحكام بورتسودان خاصة أنها تنظر لقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان بوصفه عراب تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب الغريم التاريخي والأساسي لطهران في المنطقة.
*س:- اعلان عودة العلاقات الديبلوماسية كيف تقراه في علاقة بمستقبل علاقات السودان الديبلوماسية*
أعتقد أن عودة العلاقات بين الخرطوم وطهران في الوقت الحالي هو “زواج مصلحة مكتمل الأركان” إستفاد منه الطرفين في المدي البسيط وقد تستفيد طهران على المدىالمتوسط خاصة أنها لا تقدم المساعدات العسكرية مجاناً ولكنها مدفوعة الثمن ويمكنها أن توظف وجودها في السودان لتحقيق مصالح ذاتية لها، إلا أن الخاسر الأكبر هو حكومة بورتسودان والبرهان على وجه التحديد فالتقارب مع طهران يقدم صورة عكسية للرجل الذي ظل يحاول تسويف نفسه بإعتباره برغماتي قادر على تأسيس علاقة مع إسرائيل بعد قطيعة وبالتالي فإن توجهه نحو طهران ومن قبل أوكرانيا رغم العلاقات الوطيدة التي جمعت الجيش السوداني بروسيا التي تجاوزت الجوانب العسكرية للشق الإقتصادي في ما يتصل إنتاج وتهريب الذهبـ جعله فعلياً أشبه بالرئيس المعزل عمر البشير في أخر عامين من حكمه يتخبط لدرجة التناقض يريد فقط ما يثبت دعائم حكمه وإن فعل الأمر ونقيضه لذلك فإن نتيجة هذا المسلك هو وقوع مجموعة بورتسودان في دائرة التناقضات والتقاطعات وإضعاف الثقة عند التعامل معهم ولذلك فزيجة المصلحة هذه الخاسر الأكبر فيها هي مجموعة بورتسودان عموماً وقائد الجيش البرهان على وجه التحديد.