كتب: عطاف محمد مختار
اندلعت خلافات عميقة؛ وبشكل كبير داخل صفوف مليشيا الدعم السريع، عقب مصرع المقدم عبد الرحمن البيشي؛ القائد الميداني للمليشيا في ولاية سنار، حيث يدور الهمس وسطهم أن صفوفهم مخترقة من قبل الأجهزة الأمنية للحكومة السودانية، التي يقودها رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان.
وكشفت مصادر (السوداني) ان القوات الأمنية السودانية، تمكنت عبر عملية مُشتركة عالية الدقة، من تعقب خط سير البيشي في محور سنار، نجحت من خلالها في رصد وتعقب 5 مركبات يقوم البيشي بالتنقل عبرها للتمويه، خلال استباحته وقواته للقرى في محور سنار.
يُذكر أنّ القمر الصناعي السوداني؛ دخل الخدمة مجدداً، بعد نجاح فريق التكنولوجيا التقني من التحكم فيه عبر منصة جديدة في أحد مراكز البحوث السودانية، ويضم الفريق علماء مدنيين وعسكريين في هندسة وعلوم وتقنية الكمبيوتر والذكاء الصناعي.
وأضافت المصادر من خلال حديثها لـ(السوداني)، أن فريق العلماء استطاع تتبع تحركات المركبات الخمس؛ عبر نظام (GPS) مع القمر الصناعي، الذي بدوره يرسل إحداثيات دقيقة جداً لفرق الاستطلاع.
ومضت في القول: “في توقيت واحد، قصف الطيران الحربي المركبات الخمس، بدقة شديدة، أسفرت عن موت وجرح كل من كان على متنها، وعلى رأسهم المتمرد البيشي”.
وقالت أمس مصادر طبية لـ(السُوداني) بمدينة سنجة، إنّ قائد مليشيا الدعم السريع بمنطقة سنار المقدم عبد الرحمن البيشي، لقي مصرعه بمستشفى سنجة، متأثراً بجراحه، حيث تم إجلاؤه إلى مستشفى عاصمة الولاية الخميس الماضي من قبل فريق إجلاء طبي يتبع للمليشيا. وأضافت: “البيشي وصل للمستشفى في وضع حرج. لقد كان مصاباً إصابات بالغة الخطورة، في الصدر وحروق في الظهر والإليتين، وبتر في أصابع القدم اليسرى، وفقد كمية كبيرة من الدماء إثر النزيف، وخُضع لثلاث عمليات جراحية، إلا أن قلبه توقف مرتين وتم إسعافه، وفي التوقف الثالث لقي حتفه”.
وأطلق قادة ميدانيون للمليشيا ينتمون لأسرة البيشي، اتهامات صريحة بأن الجيش السوداني نجح في اختراق صفوفهم من الداخل، وبيّنوا أن تدمير مركبات البيشي الخمس في توقيت واحد، وفي أماكن متفرقة، أوضح دليل على أنه يوجد بينهم أفراد مقربون جندتهم أجهزة الأمن السوداني.
وتدور صراعات أخرى داخل كابينة الدعم السريع على مستوى القيادة السياسية والقيادة العسكرية. ففي يوم 10 يوليو الجاري، تم إعفاء يوسف عزت من منصب المستشار السياسي لحميدتي، وقالت مليشيا الدعم السريع، إن قائدها محمد حمدان دقلو حميدتي، هو من أصدر قرار الإعفاء.
وأثارت حينها تغريدة ليوسف عزت، حول غياب الحركة الإسلامية من مؤتمر القاهرة، وقوله (لا أرى مبرراً له)، الكثير من الجدل.
وأكدت المصادر، إنّ عبد الرحيم دقلو كان وراء قرار الإقالة بسبب هذه التغريدة التي أثارت غضب قيادات المليشيا، حيث تدعي أنها تشن حربها ضد الحركة الإسلامية وفلول النظام السابق.
يُذكر أنّ عبد الرحيم ظل في خلاف دائم مع عزت حول إدارة الشأن السياسي للمليشيا. وتزامنت تغريدة عزت مع قول القيادية بالحركة الإسلامية، سناء حمد “بأن الدعم السريع إذا جنحت للسلم؛ فلا يوجد مانع للجلوس معها”.
عقب إقالته، كشف يوسف عزت، أنه في شهر أبريل الماضي تمت هيكلة العمل المدني والسياسي لمليشيا الدعم السريع في ورشة عُقدت بيوغندا. وأوضح أنه تم نقل مسؤولية إدارة الهيكلة الجديدة – كان يقودها قائد المليشيا حميدتي – إلى قائد ثاني مليشيا الدعم السريع عبد الرحيم دقلو تحت مسمى مجلس التنسيق المدني لقوات الدعم السريع.
وقال عزت: “بعد إجازة قائد الدعم السريع لذلك وأصبح العمل جزءاً من هياكل قوات الدعم السريع الرسمية، طلبت إعفائي، فلا التجربة ولا القناعات تتيح لي العمل تحت قيادة عبد الرحيم”.
إقالة عزت الماهري – تربطه صلة رحم مع آل دقلو – كان يُخطط لها عبد الرحيم دقلو منذ وقت طويل قبل الحرب. إذ يقول قادة في المليشيا، إنّ عبد الرحيم لا يرضى أن يكون المقربون من حميدتي سواء كانوا مدنيين أو عسكريين خارج سلطة نفوذه.
وأضافوا: “عبد الرحيم كونه الأخ الأكبر لحميدتي، يُريد أن يتصرف في كل صغيرة وكبيرة في الدعم السريع بصورة عامة – مالية وسياسية وعسكرية، ينتابه شعور الوصاية على الجميع كونه الأكبر سناً، لكن معظم قراراته تسيطر عليها انفعالاته الحادة غير المدروسة التي تنبع من شخصيته العصبية، وكثيراً ما يلغي حميدتي تلك القرارات بصورة فورية؛ لأنها مزاجية وغير مدروسة وتسبب المشاكل لحميدتي، الذي اصبح رجل اطفاء لاخماد الحرائق التي يشعلها عبد الرحيم”.
وأوضح قادة المليشيا؛ أن عبد الرحيم دقلو كان هو صاحب الفضل في تأسيس شركات آل دقلو قبل ثورة ديسمبر والمشرف على مناجم الذهب التي تتبع لهم، إلا أن مشاكله المتواصلة مع العديد من أبناء جلدته من مديري الشركات والمستشارين الأجانب والسياسيين ونافذين في الدولة، دفعت حميدتي لتحجيم نفوذه وسلطته المالية والسياسية داخل مليشيا الدعم السريع، فأوكل الشأن السياسي لصديق طفولته وقريبه يوسف عزت الماهري – الذي له تاريخ في العمل السياسي وعلاقات ممتدة داخل وخارج السودان، وأكمل دراسته التعليمية في كندا ويحمل جنسيتها. بينما دفع عبء الإدارة المالية لشقيقه الأصغر القوني دقلو؛ الذي درس في ماليزيا وأعده خصيصاً لهذا الأمر.
وقالت مصادر (السوداني)، إنّ حسبو عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية السابق، والمطرود من منصب نائب الأمين العام للحركة الإسلامية – من إثنية آل دقلو – يعد العقل المفكر لعبد الرحيم دقلو وبمثابة الأب الروحي له. ومع إختفاء حميدتي الأخير عن المشهد، وضعف متابعته الميدانية للشأن السياسي والمدني، نجح حسبو في إبعاد يوسف عزت عن المشهد، وأصبح الآن هو صاحب القرار الأول في الشأن السياسي والمدني للمليشيا، وهو الذي يمسك ملف العلاقات الخارجية في أفريقيا؛ حيث وظف شبكة علاقاته الواسعة – التي اكتسبها بحكم منصبه الدستوري والسياسي السابق – في تشاد والنيجر وأفريقيا الوسطى وليبيا والكاميرون ومالي، من حشد المقاتلين من أبناء القبائل العربية في تلك البلاد والمرتزقة، وجنّدهم للقتال في صفوف المليشيا في الحرب التي تدور منذ 15 أبريل 2023.
على صعيد متصل، اندلعت حرب جديدة من نوع آخر داخل صفوف الدعم السريع، وهي حرب النفوذ والسيطرة على الأرض، وتدور رحاها بين كتائب القبائل المختلفة، حيث تعمل أي كتيبة قبلية تحت إمرة قائدها القبلي. وشهدت الأيام الماضية، الخلاف الحاد بين القائد الميداني (جلحة) – من أبناء المسيرية – الذي قدم بقواته من ليبيا حيث كانت تقاتل كمرتزقة فيها، وأبناء الرزيقات داخل صفوف المليشيا، حيث يشنون عليه حملة داخل وسائل التواصل الاجتماعي من قِبل الكتيبة الإعلامية والذباب الإلكتروني، وقالوا انه مجرد جُندي لا يخوض أي معارك ميدانية، ووصفوه بالناشط على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال فيديوهاته المثيرة للجدل التي يبثها، ما جعل (جلحة) وكتيبته من أبناء قبيلته، إطلاق التهديد والوعيد لهم بالانشقاق، وطالبهم بمواجهته في الميدان.
وقال جلحة: (أنا ما دعم سريع، أنا قوات التدخل السريع، وأسألوا عني الجنرال حميدتي، وتعالوا لي في الميدان). في وقت بثّت كتيبته فيديوهات تقول إنّهم لن يرضوا أي كلمة في قائدهم الذي يصطف من خلفه مئات الآلاف من الجنود الذين يأتمرون بأمره.
*الصورة تظهر (جلحة) وهو يلوح بمسدسه
هذه الصراعات الطاحنة في آل دقلو والمليشيات القبلية المتحالفة معها، تؤكد أُفُولُ حلم دولة الجنجويد؛ التي تحمل بذرة الفناء داخل رحمها، فهم لا يرحمون البشر، ولا حتى الشجر، يبطشون ويسفكون الدماء، ويسبون النساء، وينهبون أموال الناس والأسواق والبنوك ويدمرون مؤسسات الدولة والبنى التحتية.
وكما قال ابن خلدون في مقدمته: “الظلم مؤذن بخراب العمران – وكانه يصف جنجويد آل دقلو – ينسون عهد البداوة والخشونة كأن لم تكن، ويفقدون حلاوة العز والعصبية بما هم فيه من ملكة القهر، ويبلغ فيهم الترف غايته، فيصيرون عالة على الدولة، ويفقدون العصبية بالجملة، وينسون الحماية والمدافعة والمطالبة … بل إنهم مع هذا يحاولون إظهار القوة من خلال احتكار السلاح والجيش، وذلك لقمع الناس إذا أرادوا الثورة ومواجهة استئثار هذه النخبة الحاكمة للسلطة والثروة … يلبسون على الناس في الشارة والزي وركوب الخيل وحُسن الثقافة، يموهون بها، وهم في الأكثر أجبن من النساء على ظهورها … فذلك المستبد سرعان ما يبدأ في جدع أنوف عشيرته وذوي قُرباه المقاسِمين له في اسم الملك، فيستبد في جدع أنوفهم أكثر مِن سواهم لمكانهم من الملك والعز والغلب، فإذا تخلص الحاكم من أعوانه المقربين لم يشعر بالأمن بل على العكس، سرعان ما ينتابه القلق والخوف على مستقبل حكمه، واستمرار عرشه، ولا يجد أمام هذه المعضلة إلا قطع رؤوس مخالفيه، والحط من مكانتهم، والاستهزاء بهم، وإقصائهم بكل وسيلة ليبقى وحده دون منازع”.
ويضيف ابن خلدون: “فإذا جاء المطالب لهم – أي إذا قامت الثورة عليهم – لم يُقاوموا مدافعته، فيحتاج صاحب الدولة حينئذ إلى الاستظهار بسواهم من أهل النجدة، ويستكثر من الموالي (القوى الخارجية)، ويصطنع من يُغني عن أهل الدولة بعض الغناء، حتى يتأذن الله بانقراضها، فتذهب الدولة بما حملت”