تحتكم المؤسسات والدواوين الحكومية للمرجعيات القانونية في حال حدوث اي خلاف، او تداخل في الاختصاصات، وتتجلي هذه الايام أزمة مستفحلة بين وزارة الداخلية ومعتمدية اللاجئين، فالوزارة تسعي للسيطرة علي الادارة التابعة لها بالاشراف فقط، بينما تزود المعتمدية عن حياض استقلاليتها بشرف وبسالة، فالتدخلات الإدارية التي تجاوزت الحدود القانونية الممنوحة لوزير الداخلية أصبحت تشكل تهديدًا مباشرًا لفعالية أداء المعتمدية، مما ينعكس سلبًا على أوضاع اللاجئين والبيئة الإنسانية برمتها.!
بالرجوع لاساس الخلاف فان وزارة الداخلية حاولت التأثير علي القرار المستقل لمعتمدية اللاجئين، والسيطرة علي البرامج، والشأن المالي والاداري، خاصة فيما يتعلق بقرار تخفيض العاملين، الذي هو من القرارات الفنية المرتبطة بالمانحين، الذين دفعوا صراحة بمقترحات التخفيض بل واشترطوا انسياب المنح بتنفيذه، وبينما بدأت المعتمدية فعليا في تنفيذ البرنامج، تدخلت وزارة الداخلية لايقافه مما ولد حالة من الاختلاف، فاللاجئين تعتمد الرأي الفني المنهجي، بينما لم تقدم الوزارة دفوعاتها الموضوعية للابقاء علي هيكل مترهل لا تتوفر موارد لتمويله
وعندما فشلت وزارة الداخلية في حسم قضية نزاعها مع معتمدية اللاجئين بالسبل القانونية، والعلاقة الاشرافية التي تجمعهما، لجأت لإتخاذ قرارات ذات طابع شمولي، حيث بدأت بتغيير قيادة المعتمدية، حيث استصدرت قرار من امانة مجلس الوزراء بإحالة المعتمد السابق علي عطرون لسن المعاش، وأبعدت نائبه من الادارة بحجة نهاية الانتداب، ومع ذلك فان الأمور ما تزال تراوح مكانها، بل تفاقمت الأزمة بسبب القرارات خارج الاختصاص، وتوالت سلسلة من القرارات المتخبطة، والتي يبدو ان مصدرها يجهل العمل الاداري، وقانون اللجوء، ويفتقر لحساسية التعامل مع الملف الانساني ذو الابعاد الخطيرة
وبحسب قانون اللاجئين لسنة 2014، فإن معتمدية اللاجئين تعمل كهيئة مستقلة تتبع إشراف وزير الداخلية من حيث السياسات العامة والرقابة على الالتزام بالقانون، دون تدخل مباشر في الجوانب التنفيذية أو اتخاذ القرارات اليومية. هذه الصلاحيات تمثل ضمانة لتحقيق الكفاءة والشفافية في تقديم الخدمات، غير أن تجاوز هذه الحدود الإشرافية من خلال التدخلات المباشرة يهدد الاستقلالية المؤسسية التي تعتمد عليها المعتمدية لتنفيذ مهامها بفعالية.
تجلت تمظهرات تدخلات الوزارة، في اعتماد الوزير على مشورة موظف سابق تم فصله من المعتمدية لأسباب معلومة وذات علاقة بالسلوك المهني. هذا الموظف، المعروف بكثرة مشاكله في المكاتب التي عمل بها في دارفور وكردفان وشرق السودان، يحمل سجلًا واضحًا من السوابق التي أثرت سلبًا على بيئة العمل، ان نيل الاستشارة من أمثال هذا الموظف يعكس غيابًا للمهنية في اتخاذ القرارات ويثير تساؤلات حول مدى التزام الوزارة بالمعايير الأخلاقية والإدارية. بدلاً من الاستناد إلى كوادر مؤهلة، بمنح هذا الشخص فرصة للتأثير في قرارات مصيرية، وهو ما يضر بالمصلحة العامة ويعرقل عمل المعتمدية.
وفي خطوة أخرى تعكس التخبط الإداري، أصدر الوزير قرارًا بإلغاء توقيعات مسؤولي الحسابات التابعين لديوان الحسابات، وهي جهة مختصة ومعنية بإدارة الأمور المالية وفقًا للإجراءات القانونية. هذا القرار يمثل تعديًا واضحًا على الصلاحيات وتجاوزًا للبنية المؤسسية التي تضمن الشفافية والمحاسبة، إلغاء هذه التوقيعات يضع المعتمدية في مأزق إداري، حيث يتم تعطيل سير المعاملات المالية الضرورية لتنفيذ المشاريع ودعم اللاجئين، مما يفاقم التحديات التي تواجهها.
هذه التدخلات المتكررة لم تؤثر فقط على أداء المعتمدية بل امتدت لتخلق حالة من الارتباك الإداري وتعطل العمليات الحيوية. اللاجئون، الذين يشكلون الفئة الأكثر هشاشة، فهم الضحية الأولى لهذه السياسات غير المدروسة. فيما يمثل توقف الدعم أو تأخيره مشكلة تزيد من معاناة اللاجئين ويعرض البلاد لانتقادات دولية بشأن التزاماتها الإنسانية.
إن استمرار هذا النهج الإداري يعكس حاجة ملحة لإعادة تقييم العلاقة بين الوزارة والمعتمدية. على وزير الداخلية أن يلتزم بالإشراف العام دون التدخل في التفاصيل التنفيذية، مع ضمان الاعتماد على كوادر مهنية وأصحاب خبرة حقيقية، من الضروري أيضًا تعزيز استقلالية المعتمدية وإعادة الصلاحيات إلى جهاتها المختصة مثل ديوان الحسابات، بما يضمن الشفافية والانسيابية في العمل
اخيرا فان ديمومة العلاقة تتطلب الحفاظ على دور المعتمدية كجهة إنسانية فاعلة، وذلك باحترام القوانين والإجراءات المؤسسية، بعيدًا عن القرارات الفردية أو التدخلات غير المبررة، فيما يحتاج اللاجئون إلى الدعم المستدام، والمؤسسات بحاجة إلى استقرار إداري يعزز من قدرتها على تقديم هذا الدعم