*قومية اغاني البنات د.عبد العظيم اكول*

كلنا وخاصة (الكوامر) وهو الاسم الذي يطلق علي ابناء جيلنا..ويشبهونا بالكومر..ولعل الاجيال الحديثة لاتعرف شيء عن الكومر..وهو عربة متوسطة الحجم كانت تستخدم لدي القوات المسلحة والبوليس..حينها وهي عتيقة وقد انقرضت في سنوات مضت وكانت تتواجد في كل انحاء السودان وسيلة رئيسية للنقل..وكزمر بمعني (عجوز) ومثال لذلك الشاعر الصديق مختار دفع الله وصديقنا الاستاذ الصحفي محمد الياس السني وصديقنا الاعلامي ورجل العلاقات العامة محمد احمد عبد القادر والمخرج الصحفي زين العابدين شايقي والاخ العزيز الاستاذ الطيب سعد الدين الاعلامي الكبير والاذاعي حاتم الشيخ والفنان عثمان بركات واستاذنا الشاعر تاج السر عباس واستاذنا الشاعر عبد الوهاب هلاوي والشعراء تجاني حاج موسي وحلنقي والمطرب حسين شندي والمبدع عبد الباقي حسين وزعيم الكوامر اللواء الشاعر الخير عبد الجليل المشرف وصنوه الدكتور الاديب الاريب عبد المحمود عبد الحليم والشاعر الدكتور احمد فرح شادول ..هذا كمثال وليس للحصر..واحمد الله انني خارج هذه القائمة لاني لازلت..(صغير وجاهل)ويمكن تاكيد ذلك من الكومر المعتق مختار دفع الله..كلنا قد عايشنا اغنيات البنات التي تعرف بانها اغنيات مجهولة المؤلف تقوم بتاليفها البنات وتنتقل من منطقة لاخري حتي تطوف كل بقاع السودان شماله وجنوبه ووسطه وشرقه وغربه..وهي اغنيات تعكس اشواق وحنين البنات في ذلك الزمان البعيد وتؤرخ للتحولات الاجتماعية التي تحدث في مجتمعنا السوداني ..وهذه الاغنيات ظهرت مباشرة عقب انتهاء مرحلة الطنابرة وبداية اغنيات الحقيبة التي بداها الشاعر الفذ ابراهيم العبادي عبر اغنيته لسرور بعد اضراب الطنابرة في احدي مناسبات الاعراس بام درمان في عام ١٩١٩م..حين اضرب الطنابرة لان سرور كان يتداخل معهم ..فقرروا الاضراب العام..وقام العبادي زهو بالمناسبة من اطلق علي الحاج محمد احمد وهو من ابناء ودمدني اطلق عليه لقب سرور لانه يدخل البهجة والسرور علي الناس بصوته الاسر الجميل ..وكانت بداية اغنيات الحقيبة بالاغنية الشهيرة (ببكي وبنوح وبصيح)..ثم ظهرت في الساحة اغنيات البنات ..وكما ذكرنا هي اغنيات لايعرف لها مؤلف تتناوب في تاليفها البنات في مدينة ما ثم تنتقل لمدينة اخري وتتم فيها بعض الاضافات في نفس السياق ..والملاحظ ان تلك الاغنيات يتم تلحينها ايضا بواسطة البنات لذلك تاتي (حنينة) وتسكن الوجدان..ويتغني بها عبر (السباتة) لذلك يطلق عليها احيانا اغنيات السباتة وهي الاغنيات التي تعتبر القاسم المشترك للحفلات في المناسبات والافراح في ذلك الزمان قبل ان تظهر الاوركستر مصاحبة للاغاني ويعتبر الراحل ابراهيم الكاشف اول فنان يدخل الاوركسترا في الغناء السوداني وهو اي الكاشف ايضا من مدني..التي انتقل منها لامدرمان وصار عميدا للفن السوداني حتي وفاته ودفنه في مقابر احمد شرفي في النصف الاول من الستينيات..
اذا حاولنا معرفة في اي مدينة او ولاية ..زمان كانت تسمي بالاقاليم السودانية..من اي مدينة او اقليم نشات تلك الاغنيات..ساحاول معرفة ذلك بتفنيد كلمات اغنيات البنات وهنا تظهر البيئة والمفردات التي تعبر عن من اين جاءت تلك الاغنيات..
وساضرب بعض الامثلة في هذا المقال علي ان اعود في المقال التالي لتسليط الاضواء اكثر علي مجموعة من الاغنيات التي اطلق عليها حديثا اغنيات التراث..لان هذه الصفة تطلق بحسب قوانين المصنفات الادبية والفنية علي الاغنيات التي اكملت ٥٠ عاما..
ناتي لذكر بعض امثلة اغنيات البنات..

من هذه الاغنيات وكنت قد سمعتها لاول مرة في حياتي وانا طفل يافع بجنوب السودان بمدينة كاكا مسقط راسي والتي اتخذها اهلي الذين جاءوا اليها من ولاية نهر النيل مدينة لهم حتي سميت بفضل جهودهم في التجارة بكاكا التجارية..اغنية تقول بعض كلماتها..
ضوا قمر بين الازهار
مالو الليل بقي ليا نهار

ياحبيب سيبني
من قلنا وقال
انت صون الحب
وانا ليك سدار
مالو الليل بقي
ليا نهار
صبت الامطار
والطريق بطال
انا بزور سنجة
بي طريق سنار
مالو الليل
بقي ليا نهار
واعتقد لو تمعنت جيدا في هذه الكلمات ان هذه الاغنية قد الفتها البنات في ولاية سنار ومدينة سنجة..لان السودان المترامي الاطراف بعد ترسيم الحدود وعدم وجود الاتصالات الحديثة الا عبر التلغراف والتلفون القديم الذي انغرض منذ سنوات وكان لايوجد الا في مكاتب الحكومة ودور البوستة اي البريد والبرق لذلك نجد ان معظم الشعراء والادباء والمفكرين قد عملوا بالبريد والبرق ونبعت من البريد والبرق اغنيات خالدة..لان البوستة كانت في ذلك الزمن وسيلة الاتصال الرئيسية في كل انحاء السودانوتعتبر من ارث المستعمر الانجليزي في بلادنا..
اغنية البنات..
قطر الخميس الفات
الفرق الحبان
حبيبي ياحليلو
خلاني للاوهام

قام الصباح بدري
خلي الدموع تجري
ياحبيبي زاد هجري

انا قلت ياالله
ياالشيخ قريب الله
كان ما الصراح قل
سيب السفر يلا
ويلاكا النسافر

وهي من اغنيات التراث الشهيرة التي غناها المبدع اسماعيل حسب الدائم..ويلاحظ في مفردات الاغنية انها من اغنيات بنات ام درمان وبالتحديد حي العرب..اتنين خمسة حارتنا حيث كانت احياء ام درمان تعرف بارقام تختلف من حي لاخر وكلنا يعلم ان حي العرب مصدر الالهام والابداع لانه ورد في مفردات الاغنية رجل الدين المعروف الشيخ قريب الله ..ومن منكم لايعرف الشيخ قريب الله طيب الله ثراه.
اغنية ثالثة..
حبشية انتي ماصعبة
في الخرطوم انا منتدبة
احب كسلا واديس اببا
وانا علي يقين بحسب مفردات الاغنية انها نبعت من حي الديم..(الديامة* ) بالخرطوم ثم كسلا لان كسلا كانت معبرا هاما لاخوتنا الاحباش لداخل السودان وقد استقر جزء كبير منهم بحي الديم وصاروا من اهل السودان تماما..كما في بقية مدن شرق ووسط وشمال السودان حتي حلفا القديمة

اغنية تراثية اخري.
دودو بي اللوري
دودو اريتو كان
طار بي اللوري
وهذه هي كلمات الاغنية قبل ان يحدث لها تحريف في مطلعها في السنوات الاخيرة
واذكر ان عدد من كبار شعراء الاغنية السودانية كانوا قد اجتمعوا في العام ١٩٦٦م
وقرروا تغيير كلمات بعض اغنيات البنات والاستفادة من الحانها الحنينة بان كونوا مايعرف بجمعية ترقية الاغاني السودانية وكان نتاج ذلك تغيير كلمات عدد من الاغنيات منها اغنية اللون الخمري التي قام بتعديل كلماتها الشاعر الراحل البروفيسور السر دوليب واغنية. ياعديلة بابيضا
وياملايكة سيري معاه
الليلة شويم
بي قدرة الله
ويلاحظ ان عوض جبريل عليه الرحمة قد ابقي علي مطلع اغنية البنات كاملا دون المساس به ثم اكمل بقية كلمات الاغنية الشهيرة
اغنية البنات..
ياقزازة الكولا
والكولا كيتي كولا
مافي حاجة مجهولة
وكل زولة بي زولا

بالتفرس نحو مفردات الاغنية تجد ان مصنع الكولا في ذلك الزمان كان بالخرطوم بحري..اذن هذه الاغنية نبعت من بحري..كما ظل يردد المطرب الراحل رمضان زايد..بالمناسبة رمضان من ابناء حي الملكية بجنوب السودان وهو الذي يردد دائما..

يابنات بحري
قالوا بتحبو
نحنا من بحري
ويلا حبونا

اما في جنوب السودان في ذلك الزمان البعيد فلم تكن هناك اغنيات بنات ولكن يوجد بالجنوب قبائل عرببة ورعوية اختلطوا باهلنا من جنوب السودان واعرف بمتابعتي للغناء في جنوب السودان انهم سايروا اغنيات البنات في ذلك الزمن باغنية احتلطت كلماتها بكلمات البنات وببعض اللهجات هناك خاصة لهجات الدينكا والشلك والنوير ومنها الاغنية الشهيرة..في جنوب السودان..
انا ما بنوم ياليلي
وهناك اغنية البنات
العمة طاويها
في كتيفو خاتيها
حلات العشري فيها
حقو الناس تخليها
واعتقد جازما بما لايرقي فيه المجال للشك انها نبعت من كردفان وتحديدا مدينة الابيض لان العشري التي وردت في سياق الاغنية تعني لون التطريز علي العمة وكانت تلك الالوان سائدة كثيرا في كردفان وتحديدا في مدينة عروس الرمال الابيض..كما ان التصغير في بعض المفردات موجود بكثرة في مدينة الابيض.. ونواصل..فان للحديث بقية

مقالات ذات صلة