*السفير عبد المحمود عبد الحليم.. فى رواية “هاملت” لوليام شكسبير*

السفير عبد المحمود عبد الحليم

فى رواية “هاملت” لوليام شكسبير، يعود هاملت إلى مملكة الدنمارك مثقلاً بالحزن و رغبات الانتقام بعد مقتل والده على يد عمه كلوديوس وزواجه من أمه الملكة التي تواطأت مع القاتل… يظهر شبح الملك المغدور ويخبر ابنه بكل ذلك ويدعوه للثأر … ورائحة الانتقام تفوح فى الأرجاء يظهر “مارسيلوس”، أحد ضباط القصر ويطلق قولته الشهيرة “هنالك شيئ متعفن في مملكة الدنمارك” وهو يشاهد شبح الملك متسلقاً جدران القصر …

إذا كان ذلك القول قد اصبح مثلا منذئذ لمفارقات السياسة وفسادها وتعكر أجوائها ومؤامراتها، وإلى رغبات السيطرة والإخضاع و العلاقة بين الشرعية الأخلاقية للحاكم والصحة العامة للمجتمع السياسي، فإن تلك الرائحة لاتزال بنافخي كيرها متوفرة في أنحاء العالم المختلفة، ولابد أن أهل الدنمارك قد رأوا في مطالبات الرئيس ترمب بقرينلاند ، وهى جزء من بلادهم ، إحدي فصول “هاملت” بمثلما رأته كذلك المكسيك وبنما وكندا، بل نلحظ أن المناخ الدولي الراهن الذى يظلله التوتر والتوجس قد أنبت نمطاً من تغير النوتة السياسية للدول الأوروبية التي أصبح قادتها يعزفون على أوتار لم نعهد سماعها عنهم من قبل مثل “ضرورة عدم التدخل فى الشؤون الداخلية ” و “احترام السيادة” و “ضرورة احترام الوحدة الترابية للدول”، وكنا نظن أن تلك شنشنة مصدرها فقط دول الجنوب قبل أن تهب على القارة الأوروبية العجفاء الرياح القوية الترامبية والأصداء الكاسحة لسطوة إيلون ماسك، ولعل من الملاحظات الجديرة بالتأمل ضعف وفقدان مراكز الأبحاث والرصد بوصلة التنبؤ بمآلات الأحداث في هذه الفترة المضطربة من تاريخ العلاقات الدولية، ويبدو ذلك جليا في تباين وتعارك التصورات بشأن ماسيفعله ساكن البيت الأبيض الجديد إزاء القضايا المختلفة التي تشغل بال العالم فى هده الآونة …. ويصدق عليهم قول “أبو تمام ” فى فتح عمورية .. “وخوفوا الناس من دهياء مظلمة إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب”، وبدا الرئيس الأمريكي الجديد وكأنه كائن غامض عصي على القراءة أو التنبؤ بما سيفعله..

واذا كانت قارة أفريقيا هي أقل أقاليم العالم حظوظا فى اهتمامات رؤساء الولايات المتحدة على النحو الذى أبرزته مناظراتهم، فإن على دولها التيقظ لما قد لايكون في حسبانهم وحساباتهم ، ومن بين ذلك ماورد فى المقال الذى كتبته مؤخرا جنداي فريزر مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية الأسبق والباحثة بمؤسسة هوفر Hoover Institution بجامعة استانفورد مع زميلها بالمؤسسة أولفر ماكفرسون بشأن إمكانات اعتراف الولايات المتحدة بصوماليلاند ، والذي تردد أن إدارة ترمب ربما تصدر قرارا بشأنه، تحت عنوان

The Kosovo Conditions And The Case for American Unilateral Recognition of Somaliland

وقد كسب المقال الذي أصدرته المؤسسة المذكورة ترويجاً عقب اتفاق أثيوبيا وصوماليلاند على اعتراف ألأولى بها مقابل تملكها قاعدة ومنفذا على البحر وهو الأمر الذى كان من بين تفاعلاته “إعلان أنقرة “بوساطة تركية بين الصومال وإثيوبيا وفيه إقرار مزدوج بينهما بالحفاظ على سيادة الصومال ووحدته الترابية من جهة وماسمى بمنافع متنوعة ناجمة عن الانشغال الأثيوبي يتوقع الفراغ من تفصيلاتها وبروتوكولاتها منتصف هذا العام، حيث اتفق الجانبان على العمل بشكل وثيق للتوصل إلى نتائج إيجابية بشأن الأجراءات التجارية ذات المنفعة المتبادلة من خلال الاتفاقيات الثنائية بمافيها العقود والإيجار ووسائل أخرى..

تتلخص الدعوة لاعتراف الولايات المتحدة من جانب واحد بصوماليلاند وتتأسس على أن الولايات المتحدة قامت ، خلافاً لاعترافها في مطلع الألفية بتيمور الشرقية عام 2002 ومونتنيقرو فى 2006 وجنوب السودان عام 2011، وهى حالات ثلاث انضمت فيها واشنطن للتوافق والاعتراف الدولي بهذه الدول، فإنها قد قامت عام 2008 بالاعتراف بكوسوفو دون شرط وجود توافق دولي حيث لم تجد كوسوفو اعترافاً من ما يقارب نصف عضوية الأمم المتحدة ، وقال المقال إن حالة الاعتراف الأمريكي الآحادي بكوسوفو قد تأسست على خدمتها لمصالح حيوية للولايات المتحدة وأن “حالة كوسوفو” يمكن استنساخها وإسقاطها على صوماليلاند حيث تتوفر فيها ذات خصائص وصفات واشتراطات تلك الحالة التي أوجبت الاعتراف الأمريكي بكوسوفو، ويصف المقال صوماليلاند بأنها مزدهرة وديمقراطية وأنها قاومت لثلاثين عاما دعوات الانضمام مرة أخرى للصومال المثخن بالحروب كما أنها قد قاومت ضغوط وحوافز بكين لكي توقف تعاونها وتعاملاتها مع تايوان.

ويمضي مقال جنداى فريزر وماكفرسون للقول بأن صوماليلاند تخدم مصالح الولايات المتحدة في الديمقراطية والنمو الاقتصادي واستقرار طرق الملاحة البحرية عند باب المندب بجانب سيطرتها التامة على البلاد ، وتجربتها الديموقراطية ، وتضاؤل فرص عودتها للوطن الأم. …توصى الاطروحة بإمكانية إخطار الجهات التي يمكن أن يزعجها القرار الأمريكي علما بالأمر مثل الاتحاد الأفريقي وجيران صوماليلاند والمضي قدماً بأمر الاعتراف…

يُلاحظ أن المقال قد أورد فى أكثر من مرة استحسان الولايات المتحدة لإصرار صوماليلاند على تعزيز علاقاتها مع تايوان التى ربما أدى استعار الحرب الباردة والتنافس مع الصين إلى قيام إدارة ترمب بخطوات تتجاوز القانون الأمريكي الصادر عام 1979 والذى ينظم علاقاتها مع تايوان وإقامة علاقات رسمية معها هذه المرة…

إلى ماقبل الوساطة التركية بين إثيوبيا والصومال كانت إحدى سيناريوهات حصول إثيوبيا على منفذ على البحر هى استلهام نموذج تعامل الولايات المتحدة مع الصين وتايوان حيث تعترف بصين واحدة لكنها تقيم علاقات قوية مع تايوان بما في ذلك امدادها بالسلاح وتأمينها ، وفى حالة قيام الولايات المتحدة بالاعتراف بصوماليلاند فإن ذلك سيخدم إثيوبيا بصورة أكبر ، وفى وقت تكثر فيه هذه التكهنات والإرهاصات فإن كافة الأوساط تترقب اكتمال البروتوكولات والاتفاقيات الثنائية المنصوص عليها فى “إعلان انقرة ” والتى يتوجب أن تخلق المواءمة بين إقرار إثيوبيا احترامها لسيادة الصومال ووحدته الترابية ووصولها إلى البحر فى ذلك الإطار ، كما تتابع الدوائر المختلفة الرسائل الصادرة من الرئيس الجديد لصوماليلاند عبد الرحمن عبد الله الذي قيل أنه، خلافا للرئيس السابق موسى بيهى الذى وقع الاتفاق مع أبى أحمد، أكثر ميلا للتواصل مع الصومال التي وصل رئيسها حسن شيخ محمود إلى أديس أبابا قبل أيام فى زيارة هامة اتفق خلالها مع الجانب الإثيوبي وصلا لإعلان أنقرة إلى تفعيل و تعزيز العلاقات بين البلدين في كافة المجالات …

وسائل التواصل الإجتماعي لاحظت عند استقبال الرئيس الصومالي فى اثيوبيا أن قرقول الشرف الذى تفقده قامت بتنفيذه قوات البحرية الإثيوبية ، وقال بعضها أن ذلك يعكس دهاء لايخلو من خبث من قبل أبى أحمد الذى أراد إرسال رسالة “بحرية” إلى رئيس الصومال …

كأننا نشاهد الفصول الختامية لرواية ” هاملت “……

مقالات ذات صلة