كتب حسن الجزولي، عضو مركزية الحزب الشيوعي والكاتب المعروف: كلمة علق فيها على قرار حزبه في منطقة عطبرة بتمويل مشروع خدمي في المدينة بتنسيق مع حكومة الولاية، أو حكومة أمرها الواقع. ولن أنشغل بما قال في هذا الجانب ولكن استرعي انتباهي تذييله لتعليقه بالعبارة:
“لجنة التفكيك تمثلني. كانت تمثلني وستمثلني لاحقاً أيضاً”.
ويؤسفني أن أخطي الجزولي هنا بلا شفقة. فلجنة التفكيك لم تمثله منذ اختلف حزبه مع قوى الحرية والتغيير في وقت باكر من الثورة وتماسكا الحزز. ومتى عدت إلى كتاباتي عن هذه اللجنة وجدت القسم الذي نقدت فيه الحزب لخصومته لها غلب على غيره.
ولم أخرج للغلاط أو حتى لإحقاق الحق بصورة مجردة. فدافعي من وراء نقض كلمة الجزولي أن لا تطوى صفحة الفترة الانتقالية بصك براءة لكل من شارك فيها، أو عارضها، لنصوب نيران النقد على خاتمتها التعيسة تجاه الإخوان المسلمين كما هو مشاهد. وليس هذا من باب تبرئة الكيزان. فما قام به الكيزان في أصل وظيفتهم ك” ثورة مضادة” التي في تعريفها تقويض الثورة التي أطاحت بهم ما وسعهم. فلومها على هذا التقويض تحصيل حاصل إذا لم يكن تنصلاً من نقد الذات وتحميلها وزر سوءتها بحق ثورتها. وإن جاز هذا الخمول في اقتحام الذات بشواظ النقد عند سائر الناس فليس يصح من الجزولي الذي هو فانوس قومه في ذمته تبصرتهم بما خسرت أيديهم حتى أصبحوا على ثورة حطيم هشيم. فعلى الثورة السلام إذا كان الجزولي، وهو على هذه التبعة، من يذيع نسبته للجنة التفكيك ويفخر بها في حين لا أعرف من طعن هذه اللجنة في الصميم طعن حزبه لها سوى الكيزان.
وهذه كلمة منقحة نشرتها في نقد مواقف للحزب الشيوعي من لجنة تفكيك التمكين.
لا أدري ما الذي يأخذه الحزب الشيوعي على لجنة إزالة التمكين ليعطيها هذا الكتف البارد كما يقول الخواجات. فما ذكرها إلا عاب عليها بطئها ودعاها لأن تهم شوية.
ووقف ضدها صراحة مرتين. ففي المرة الأولى اعترض على إجراءاتها حيال جريدة “السوداني”. ووصف قرار حجزها بواسطة اللجنة خرقاً لحرية التعبير. وفي المرة الثانية عَرَّض بها لملابسات اتصلت بإدارة “قناة الشروق” المحجوزة. وفي الحالين، كما سبق لي القول، خضع الحزب لنزوات قطاع الصحفيين فيه. فلم يَرِد من كان منهم في السوداني أن يؤثر ايقافها على أجره. وليرق كل المال السحت إلا ذلك الذي يُصرف عليهم بينما تناصروا في الشروق بمحض الزمالة. ولم استنكر منهم ذلك سوى أنهم شددوا النكير على اللجنة شدة على العدو لا الصليح. ولا أملك بالطبع تبرئة لجنة إزالة التمكين من عثرة هنا أو هناك في قراريها حول السوداني والشروق. ولكني استغربت للحزب الشيوعي يخرج على اللجنة في المكره ويعتزلها في المنشط.
أما لؤم الشيوعي الأكبر فكان في موقفه من لجنة استئنافات إزالة التمكين. فالمنتظر من حزب ثوري مثله الحرص على سمت العدالة في لجنة إزالة التمكين بسد الفرج أمام شائنيها. فقد حمدنا للائحة اللجنة أنها جعلت الحجز والمصادرة اختصاصاً للنيابات بعد التحقيق في التربح بالسحت. وهو الشأن في بلدان مثل أمريكا بعد إذن قضائي يُمنح للنيابة لمجرد الشبهة بالفساد كما جاء في كلمة لي سبقت. وجعلت لائحة لجنة التمكين للمتضرر من إجراءات الحجز والمصادرة والتوقيف حق الاستئناف للجنة مخصوصة. وطريق المتضرر ما يزال مفتوحاً للمحاكم متى لم تنصفه لجنة الاستئناف. ورأيت في إزالة التمكين على هذا النحو عدالة هجين مزجت الثورية بأعراف القضاء المعتادة. وهي من نبل الثورة السودانية. ففي ثورات نعرفها كانت حياة مثل آكلي السحت عندنا على المحك لا مجرد أموالهم.
لنرى الآن عيب الشيوعيين حيال لجنة الاستئناف هذه. فكان من ضمن أعضائها صديق يوسف. ولم نعلم بعضويته إلا حين تداولت المنابر خبر استقالته منها. وطربت الثورة المضادة للخبر وأذاعته في سياق بغضائها للجنة. وبدا أنها سعدت بخبر صديق في دلالة أنه حتى الشيوعي رأى منها ما كرهه واعتزله. وصمت صديق وحزبه هوناً. ثم عاد صديق ليوضح أنه بنى استقالته على بينة أنه قحتاوي ولا يصح لقحتاوى أن ينظر الاستئناف من لجنة قحتاوية. ثم اتضح أن ذلك كان من صديق ذريعة لأن الحزب سبق بسحب كل كادره من دولة قحت بعد اعتزاله منها بما فب ذلك محمد الربيع الذي كان في لجنة التفكيك ذاتها.
وانتهت سلبية الحزب الشيوعي تجاه لجنة إزالة التمكين إلى دعوة غير مستترة إلى حلها حذو الثورة المضادة النعل بالنعل. فصدرت دورة لجنته المركزية لنوفمبر ٢٠٢٠ وجاء ضمن مطالب الحزب فيها قيام مفوضية فاعلة في محاربة الفساد، ومحاربة التجنيب لاندلاع ثورة أفضل من سابقتها. وكأن لجنة إزالة التمكين لم تكن.
وبالله شوف لؤم كلمة “فاعلة” الشيوعية هذه. فقول الشيوعي هذا حكم صادر بمشيئة منه قضى فيه لوحده بتشميع اللجنة الذي تنادي به الثور المضادة. ومما يستغرب له صدور الحكم من حزب لم يجرد حساب اللجنة بأمانة ليقضى إن كانت فاعلة أم عاطلة. ولم يزد عن صرفها كلما جاء ذكرها بتلويحه يد شيوعية مستنكفة. وتخلص من موقعه في هرم اللجنة بلا ذكاء بما يشبه المقلب لا الزمالة.
سألت نفسي كيف سيميز الحزب الشيوعي، طالما كان قرر اسقاط حكومة الهبوط الناعم الانتقالية، ضربه لها عن ضرب الثورة المضادة التي خرجت لقتل الانتقالية لهبوطها الخشن. ولا أعتقد أن الشيوعي ميز ضربه عن الثورة المضادة في رصدي لمواقفه من لجنة تفكيك التمكين. فخاصمها على رؤوس الأشهاد حذو الثورة المضادة النعل بالنعل بما استعدت به شطرة من قصيدة لعكير شاعر الدامر:
تختلف السيوف إلا الضرب متساوي
ولن أصدق أن الشيوعي جاد في مطلبه الراهن بتفكيك تمكين نظام الإنقاذ بعد انقلاب 2021 إلا بعد بيان منه عن سبب اعتزاله لجنة التفكيك في الحكومة الانتقالية حتى ذهبت أدراج الرياح ليعود الآن ويجعل تفكيك التمكين مطلباً مقدماً عنده في معارضته لحكومة الانقلاب.
لم يحسن الجزولي ولا حزبه للجنة التفكيك إحساناً يتمثلونها به. وسيتمثلونها في المستقبل متى اخضعوا سيرتهم معها لنقد ذاتي لا يترك شاردة ولا واردة.