مرئيات حول مذكرة التفاهم الموقعة بين (شركة السكر السودانية)،
و (شركة رانج السعودية)
عبد المنعم خليفة خوجلي
الميدان 4353،، الاحد 17 أغسطس 2025م.
تنطلق المرئيات المتضمنة في هذه المذكرة من دوافع وطنية ومهنية؛ وهي تستند على المعلومات الموثوق من صحتها، والمأخوذة من المصادر الأصلية والرسمية؛ وذلك التزاماً بالموضوعية والمهنية في التناول.
1. جاء في البيان الصادر عن وكالة السودان للأنباء (سونا) بتاريخ 31 يوليو 2025م، المتعلق بـ (مذكرة التفاهم) الموقعة بين (شركة السكر السودانية)، و (شركة رانج السعودية)، أنه قد تم الاتفاق على (العمل على تأهيل مصانع السكر، والشراكة في إنتاج السكر والتوريد والتكرير). لم يشر البيان إلى المقدرات الفنية والتكنولوجية التي تؤهل الشركة المختارة للقيام بتلك المهام الكبيرة والمتعددة.
2. جاء في البيان أيضاً أن (مذكرة التفاهم) سوف تحدث (نقلة نوعية في مصانع السكر السودانية، وذلك (بإدخال التقانات الحديثة في الزراعة والحصاد وحتى مراحل الإنتاج الأخيرة)؛ بينما لم يُعَرِف البيان بخبرة (شركة رانج السعودية) في تلك (التقانات الحديثة)، وعما إذا ما كان لها تجارب بشكل خاص، في (زراعة وحصاد قصب السكر). بل لم يتضمن البيان تعريفاً بالشركة أصلاً.
3. في الصفحة الرسمية لـ (شركة رانج السعودية) على موقع X، تُعرِف الشركة نفسها بأنها: ” شركة متخصصة في تنظيم المعارض وإدارة العلاقات العامة والاتصال والتسويق والاستيراد والتصدير والتطوير والتعمير”.
يلاحظ، أنه ليس من بين تلك التخصصات، ما يشير إلى الخبرات والتخصصات التي ستمكن الشركة من إحداث (النقلة النوعية) المطلوبة في المجالات المذكورة.
مما يجدر ذكره هنا، أن للسودان خبرات تراكمية في زراعة وحصاد قصب السكر، عمرها أكثر من خمس وستين سنة، بدأت بقيام المزرعة التجريبية (بالكديوة) في نهاية خمسينيات القرن الماضي، استعداداً لبدأ الإنتاج بمصنع سكر الجنيد.
4. هناك ملاحظة ربما تبدو ثانوية، غير أنها هامة؛ فقد جاء في البيان اسم الشركة السعودية الموقعة على (مذكرة التفاهم: (شركة رائج السعودية)، بينما جاء اسمها في البيان اللاحق، (شركة رانج السعودية)؛ مما يثير السؤال حول الاسم الحقيقي للشركة التي تم التوقيع معها. إن هاتين الشركتين المشار إليهما، شركتان منفصلتان، لكل منهما نشاطها ومجال عملها وتخصصها المختلف.
5. ورد في البيان، أن الطرفين (يدركان أهمية خلق التحالفات الاقتصادية، والتي تحقق المكاسب المتبادلة، والاستفادة القصوى من خبرات وإمكانات الجانبين). من المعروف أن (التحالفات الاقتصادية) تتم عادة بين الدول، وليس مع الشركات التجارية ذات التخصصات والإمكانات المحدودة.
6. أشار البيان إلى (العمل على تأهيل مصانع السكر، و(الشراكة) في إنتاج السكر والتوريد والتكرير)؛ بينما لم يشر إلى التفويض الذي خوَل لشركة السكر السودانية توقيع اتفاق (مشاركة) في (إنتاج وتكرير السكر) مع شركة لا تعمل في هذين المجالين الذين يتطلبان معارف وخبرات صناعية وتكنولوجية ذات مستوى رفيع. هذه المهام التي أشار إليها البيان، يضطلع بها عادة (الشركاء الاستراتيجيون)، ممن يتمتعون بالخبرة الواسعة في الزراعة وتكنولوجيا السكر، والقدرة على تقديم التمويل، والمساعدة في مراجعة السياسات.
7. لم يشر البيان لـ (لصفقة التجارية الكبيرة) التي تم الاتفاق حولها، والمتعلقة بـ (تصدير 600 ألف طن سكر (50 ألف طن شهرياً لمدة سنة)، من السعودية إلى السودان)، والتي صرح بها مسئول (شركة رانج السعودية) في الفيديو الذي بثته قناة (الحدث) الفضائية؛ وبالتالي لم يشر البيان إلى الشروط والمواصفات والأسعار.
المبدأ السائد عالمياً، الذي يحكم عمليات الشراء الحكومي، يقضي بطرح المشتريات الحكومية في مناقصات، ونشر الإعلان عنها على المنصات الرسمية، وعدم التمييز بين المتنافسين. لم يتبع هذا المبدأ في اختيار الشركة التي عهد لها بتنفيذ عملية تصدير هذه الكميات الكبيرة من السكر للسودان (والتي تقدر قيمتها بما يزيد عن الثلاثمائة مليون دولار، وفقاً للسعر العالمي (كما أوردته الفاينانشيال تايمز بتاريخ 14/8/ 2025).
8. جاء في بيان (سونا) اللاحق بتاريخ 3/8/2025م، نقلاً عن مدير عام شركة السكر السودانية، “أن ما تداولته وسائل الإعلام حول توقيع (اتفاقية شراكة) بين (شركة السكر السودانية) و(شركة رانج السعودية) بنسبة 50%، غير صحيح، وأن ما حدث هو (مجرد مذكرة تفاهم) لا تتضمن أي أرقام مالية أو التزامات على الشركة”.
المعلومة عن الاتفاق على (الشراكة في مصانع السكر السودانية الأربعة (الجنيد، وحلفا، وسنار، وعسلاية) بنسبة 50%، مصدرها هو مسئول (شركة رانج السعودية)، في تصريحه المنقول بالفيديو عبر قناة (الحدث) الفضائية، والذي لم يقتصر فيه على إيراد (معلومة الشراكة)، بل زاد على ذلك، “بأنهم وقفوا ميدانياً على الأصول التي تملكها (شركة السكر السودانية) في مصانع السكر الأربعة”.
إن مجرد بحث مشاركة جهة أخرى، (ولو بصورة غير نهائية)، في ملكية مصانع السكر السودانية، والمملوكة بالكامل لشعب السودان، بدون تفويض، يُخشى أن يؤسس لسابقة تسمح بمناقشات مماثلة (لمشاركات) في ثروات ومقدرات البلاد الأخرى، خاصة مع غياب الجهاز التشريعي الذي يضطلع بمهام الرقابة.
فيما يتعلق بما نقله البيان عن مدير عام شركة السكر السودانية بأن (مذكرة التفاهم) لا تلقي (التزامات) على (الشركة)؛ عليه يكون مطلوباً توضيح ما هي الجهة التي تقع عليها (التزامات) سداد قيمة الـ 600 ألف طن سكر التي سيتم استيرادها.
9. ذُكِرَ في البيان بتاريخ 3/8/2025، أن الهدف من استيراد هذه الكميات من السكر، هو (لمساهمة في استقرار السوق المحلي). هنا تبرز تساؤلات عما إذا كان مناسباً في الظروف الحالية، الحديث عن (الوفرة)، و(استقرار السوق المحلي)، و(تركيز الأسعار)، بينما الحرب لا تزال مستعرة، والقدرة الشرائية للمواطنين في أضعف حال، بل بلغ المواطنون درجة غير مسبوقة من الفقر، وانعدام الأمن الغذائي الحاد (المجاعة)، مع توقف مشاريع الإنتاج الزراعية الرئيسية في البلاد، والدمار الذي لحق بالمصانع، وعمليات النهب التي تتعرض لها الأسواق.
10. كذلك لا توجد عملياً إمكانية لتخزين، وتأمين، وحراسة، ونقل، 50 ألف طن (مليون جوال) من السكر شهرياً، ولمدة عام، لتصل (بأمان) (لتركز أسعار السكر) في (أسواق) ولايات شمال كردفان، وجنوب كردفان، وغرب كردفان، وولايات دارفور الخمسة، وولاية النيل الأزرق، وغيرها من الولايات، التي هي حالياً ساحات قتال. المثال الناصع لعدم إمكانية ذلك، هو أن مواد المساعدات الإنسانية لا تصل للمحتاجين، نتيجة لانعدام الأمن، ونهب مخازن الإغاثة، والعقبات والصعوبات العديدة الأخرى.
نخلص إلى أن (مذكرة التفاهم) هذه، تلقي بتأثيرات سلبية كبيرة على الاقتصاد؛ وفيها مساس بالسيادة الوطنية. ذلك حيث يتضح بجلاء أن الشركة المختارة لتأهيل وتطوير المصانع لا تملك المؤهلات للقيام بذلك. كما أن مجرد بحث (المشاركة) في ملكية أصول مملوكة لشعب السودان، دون تفويض، أمر مضر بالمصلحة العامة، وفيه تهديد لملكية البلاد لمقدراتها وثرواتها. يضاف إلى ذلك الأسلوب الانتقائي المتبع في تنفيذ صفقة المشتريات الكبرى، والذي يمثل انحرافاً جسيماً عن الأسلوب المتبع عالمياً في المشتريات الحكومية، والمؤسس على مبادئ الشفافية والنزاهة.
——–
* عمل كاتب المقال وكيلاً سابقاً لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية؛ ومساعداً سابقاً للعضو المنتدب لشركة سكر كنانة؛ وعضواً سابقاً بمجلس إدارة شركة سكر سنار