كثيرون يحاججون بأن الحلو وأتباعه وقعوا من قبل على مذكرات تفاهم مع معظم التنظيمات السياسية المدنية والمسلحة، بما في ذلك أول رئيس وزراء لم يعينه البشير منذ 30 عاماً، ونزعت الاعتراف منهم جميعاً بجدوى مشروع السودان الجديد تحت قيادتهم، وتأكيداً على احتكارهم المطلق لتفسير حدود وموضوع الإصلاحات على النظام السياسي المنشود.
وبالفعل، تماهت الطبقة السياسية مع الدعاية التي يعمل عليها حواريو الحلو، بما في ذلك غض الطرف عن حالة الاستعلاء الأخلاقي، مقابل تجميد أي تحرك فعلي، أي يحتفظ الحلو بالميكروفون والميكروفون فقط، دون أي تحركات جدية، وإلا مزقت أوراق الارتباط العرفي.. التي تحتاجها الحركة لترتيب بيتها الداخلي والحد من نفوذ المنافسين على قيادة المشروع.
لكن هذا المسار للحركة الشعبية – قيادة الحلو، والهادف لبناء الشرعية دون المشروعية، جعل من موقفها الأخلاقي باذخ الشرف معيقاً لتطوير موقف سياسي يعيد تموضعها كلاعب سياسي رئيسي في خارطة النفوذ والتأثير.. ويرى المراقبون بأن الحركة بتحالفها غير المدروس قد غادرت محطتها الأخلاقية إلى ضدها، وأن موقفها السياسي الجديد غير متناسب ومشروع السودان الجديد، ولا حتى هيكلها وعضويتها الحالية.
ولفهم ذلك لا بد من فتح تساؤل: هل يد استخبارات الجنجويد الطويلة اخترقت هياكل الحركة، كما فعلت بحزب الأمة والاتحادي والجمهوري.. إلخ، وفرضت قيادة مطيعة لأمرها؟ وإن كانت هذه الرواية مستبعدة، لكن الشواهد تقود لفرضيات مربكة حول حقيقة هذا الاختراق، وأبرزها النيرفانا غير المبررة في الخطاب الإعلامي، لا سيما تحميل عبء الفظائع الجماعية للبسطاء، بما في ذلك الضحايا.
ولمعرفة دوافع هذا التحول المريب، علينا النظر في جدوى التحالف ونواتجه الميدانية، حيث الخبرة المتراكمة لدى قاعدة الحركة في إعادة توجيه حركة الاقتصاد جنوباً نحو بوابة ممبسا – كينيا بدلاً من بورتسودان.. بالإضافة لذلك، رغبة الجنجويد في الاحتفاظ بالسيطرة المطلقة على حزام الصمغ العربي (جنوب وغرب كردفان – شرق وجنوب ووسط وغرب دارفور)، لغلبة طابع البداوة على المجتمعات هناك، مما يسهل نمو الصناعات الاستخراجية (اقتصاد إقطاعي).
وجعلت الخبرة التراكمية للحلو وأتباعه في إدارة نموذج العمل هذا على نطاق ليس بالهين، المقاول الأمثل للجنجويد وداعميهم، كون المنطقة غنية للغاية بالمعادن النادرة التي تحتاجها بشدة شركات الذكاء الاصطناعي (صناعة مزدهرة عالمياً وإستراتيجية)، بالإضافة للذهب والبترول.. إلخ؛ وهذا ما يجعل عملية التحول من النضال إلى المقاولات مدفوعة بحوافز اقتصادية استثنائية، مبررة براغماتياً.
من صمم هذا التحالف أغفل مؤشرات غاية في الخطورة، أبرزها أن حركة الاقتصاد لا يمكنها السير في عكس اتجاه حركة المجتمع، وأن هذا النمط يولد حالة استقطاب جيوسياسي لم تعهده المنطقة ولا أحد لديه الخبرة للتعامل معه، إضافة لنتائجه غير المتوقعة، لا سيما الأحلاف الدولية والإقليمية وتعقيداتهما التي يفرزها، بالإضافة لحالة عدم الاستقرار التي فرضتها الإدارة السيئة للتنوع الهائل بالمنطقة على مدار عقود من الزمان.
يتبع..
منذر مصطفى
باحث بمعهد السياسات العامة – السودان
الإثنين 21 أبريل 2025
البريد: munzer.ppi.sd@gmail.com