هناك من يعتقد أن قضية شعوب جبال النوبة مستجدة وبدأت مع نداء الحركة الشعبية في العام 1983، وبناءً على هذا الافتراض، يتنكرون لنضالات هذه الشعوب ضد سياسات المستعمر، والتى أسس قوة خاصة لقمعها وحركة شعوب بجبال مرة معاً، ووسمها بـ”أورطة العرب الغربية” في العام 1905.. ولم تكن فعال برمة ناصر في العام 1986 سوى استدعاء لأسلوب المستعمر ضد هذه الشعوب بتشكيل قوة المراحيل، وعاد واستلف ذات الأداة عمر البشير في العام 2003 للهدف نفسه ووسمها بـ”الدعم السريع”.
لقد توافق مشروع السودان الجديد مع أجندة هذه الشعوب الحرة، وقدمت فلذات أكبادها فيما قدمت، وتحملت تكاليف باهظة لجعله مشروعاً وطنياً، بما في ذلك تحمل الحصار الشامل لعقود من الزمان.. لم يحتفِ إنسان هذه المنطقة يوماً بفظائع أورطة العرب الغربية، فمن أين أتى عبد العزيز الحلو وزمرته؟ هل يحملون مشروعاً تنويرياً مثل غردون أم يعبرون عن تطلعات الأحرار؟ فإن كان تنويراً، فقد سبقت نضالات هذه الشعوب أطروحة السودان الجديد بعقود.. وإن كانوا يعبرون عن أجندة محلية، فكيف بمن يرفض الفظائع أن يناصر حصار الفاشر؟! وشعوب جبال النوبة براء مما يدّعون.
الحقيقة المؤلمة أن تحالف الجنجويد مع عبد العزيز الحلو، الموسوم بـ”تأسيس”، صُمم على عجل وفوق تناقضات جوهرية لا يمكن تجاوزها دون تحولات هيكلية في أجندة ومشروع أحدهما أو كليهما.. ومن الظاهر للمراقبين أن الدعم السريع منفتح على أي مشروع سياسي معروض في السوق، بعدما استعصى عليه أمر السطو على مشروع الثورة، مما شجع حواريي الحلو على مغادرة محطة تطلعات البسطاء إلى منطق الجنجويد، حيث موسم حصاد الغنائم، وبدون سقف أخلاقي.. مع إدعاء غير مثبت بوكالتهم المطلقة على الشعوب الحرة ومشروع الحرية.
ولكي نفهم أسباب هذه التحولات لدى جنرالات الحلو، علينا تتبع التغيرات الجيوسياسية، لا سيما في منطقة شرق أفريقيا، وارتفاع سقف طموح نيروبي غير المبرر لقيادتها، لا سيما بعد النجاحات الاقتصادية والسياسية التي تحققت بانفصال جنوب السودان، والتغيرات العميقة في توجهات قوى شرق البحر الأحمر، ورغبتها في لعب دور محوري في رسم سياسات المنطقة، واستلاف السياسة الأمريكية والأوروبية لأسلوب بريطانيا القديم في التعامل مع السودان.
إن معادلة النفوذ والصراع المعقدة هذه، والتي تحيط بالسودان إحاطة السوار بالمعصم، بالإضافة إلى ضعف العائد من الوصاية على السودان كما وصفته بريطانيا أيام احتلالها للبلاد، مقرونة بتعقيدات الوضع الداخلي وتنامي نفوذ العصابات العابرة للقارات (الإخوان المسلمون، داعش، … إلخ)، كل هذا يجعل من أي تحركات جريئة لتغيير الوضع الراهن بالقوة، أمراً بالغ الخطورة، واستدعاءً لموجة جديدة من التنافس المسلح بالمنطقة كلها.
وتبقى الأسئلة حاضرة، هل يواصل حلف نيروبي في التصعيد العسكري؟ بدعم تحالف تأسيس الميداني لتكملة مشروع المؤتمر الوطنى الهادف للتقسيم والمنصوص عليه في برنامجهم الإقتصادي 2005، ولكن لماذا؟.. ما الذى يوفره هذا التحالف ولم يستوفه من قبل المؤتمر الوطني 1999 – 2019، أو الدعم السريع بغطاء من تقدم 2023 – 2024.. ما الجديد؟.
يتبع…
منذر مصطفى
باحث بمعهد السياسات العامة – السودان
السبت 26 أبريل 2025
البريد: munzer.ppi.sd@gmail.com