*كتب: عطاف محمد مختار*
ظَـلّ المجتمع الدولي طوال العامين الماضيين، يتجاهل عن عمدٍ، الحرب السودانية، ويتجاهل انتهاكات ميليشيا الدعم السريع في حق الشعب السوداني، ويتفرّج عليها وهي تمارس التطهير العرقي والإبادة الجماعية، وتدمير البنيات التحتية، واحتلال المدن والقرى، وحرق المنازل، والاغتصابات وبيع الفتيات، في أبشع جرائم يشهدها العصر الحديث، أسفرت عن مئات الآلاف من القتلى وقرابة (13) مليون نازح ولاجئ. ولم يَفِ المجتمع الدولي بالتزاماته وتعهُّداته بتمويل خطة الاستجابة الإنسانية، إذ لم تتحمّل الأمم المتحدة سوى على 21% من التمويل المطلوب، لإعادة وإغاثة النازحين واللاجئين.
بل ظَـلّ المجتمع الدولي يغض الطرف عن داعمي الميليشيا في الإقليم، ويُشكِّل لهم حماية دائمة ضد المحاسبة، ولا يأبه كثيراً بالضغط عليها لإيقاف جسور رحلات الشحن الجوي التي تمد الميليشيا بالسلاح والذخائر وأنظمة الدفاع الجوي والمُسيّرات الصينية الاستراتيجية (FH-95)، التي كانت في بداية الأمر تنطلق من مطار أم جرس التشادي لأغراض الاستطلاع الحربي والاستخبارات وكشف تحرُّكات الجيش، والآن تم السماح لها بالهجوم العسكري، فصارت تقصف مُدن السودان بهدف تدمير البنى التحتية للكهرباء والمياه وخزانات الوقود وقصف معسكرات النازحين، في وقتٍ، كشفت آخر صور الأقمار الاصطناعية، إنشاء محطة تحكم أرضية، نشرت فيها ميليشيا الدعم السريع أنظمة دفاع جوي وتشويش على المُسيّرات بالقرب من مطار نيالا في دارفور، حيث بات مطار نيالا قاعدة تنطلق منه المُسيّرات الصينية الاستراتيجية (FH-95)، حيث تم رصد (5) مُسيّرات رابضة على مدرج المطار.
ظَـلّ هذا الصَّمت الدولي، الذي يكتفي بالإدانات في بياناته، يمثل غطاءً للميليشيا وداعميها، لتكرار مذابحها في حق الشعب السوداني، فها هم الجنجويد يعيدون تكرار ما فعلوه في دارفور قبل 22 سنة، من تطهير عرقي وإبادة جماعية وانتهاكات وعبودية جنسية حسب اللون والعرق. وقبل 3 أيام نشرت جامعة ييل – ثالث أقدم معهد للتعليم العالي في الولايات المتحدة الأمريكية – فظائع هجوم ميليشيا الدعم السريع على معسكر زمزم للنازحين بشمال دارفور، واختطافهم للفتيات والنساء.
وسرد مدير مختبر الأبحاث الإنسانية في جامعة ييل، البروفيسور ناثانيال ريموند، ما تم رصده عبر الأقمار الصناعية، بما في ذلك صور من “ناسا”، لهجوم الجنجويد على معسكر زمزم. وسيطرت الميليشيا على المعسكر يوم 13 أبريل الجاري.
يقول بروفيسور ناثانيال: “بدأنا نرى أجهزة الاستشعار الحرارية التابعة لـ”ناسا” (NASA) تبدأ في العمل بجميع أنحاء المنطقة. ومع شروعهم في إحراق مخيم زمزم بالكامل، تمكّنّا من رؤية ذلك من خلال أجهزة الكشف البيئي عن الحرائق قبل أن نراه عبر الأقمار الصناعية، وبحلول يوم الأحد وحتى الاثنين من عطلة نهاية الأسبوع الأولى، ومع حصولنا على صور أقمار صناعية عالية الدقة، رأينا دمارًا ممنهجًا بفعل الحرائق للمنازل ومرافق المساعدات. وفي تلك العطلة نفسها، للأسف، تم إعدام تسعة من زملائنا في منظمة، ريفيجيز إنترناشونال، وتم تصوير بعض هذه الإعدامات”.
وأوضح بروفيسور ناثانيال أنّ الميليشيا اختطفت خلال الساعات الأولى من الهجوم ما لا يقل عن (58) امرأة وفتاة، وقد تحدث مع أفراد من عائلاتهن، وشرحوا له ما يعرفونه عن الاختطاف. ومضى في القول: “الخوف الآن هو أن هؤلاء النساء قد يتم بيعهن في مزادات كعبيد، أو إجبارهن على أداء أعمال منزلية كنوع من العبودية. وهناك جانبٌ من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع في ما يتعرّضن له حالياً. نحن نعمل بجد لمعرفة مكان وجودهن بالضبط. ولكن ما يحدث هنا يشبه ما كانت تقوم به جماعات مثل بوكو حرام أو داعش من حيث العنف الجنسي المرتبط بالنزاع والاستعباد. وهذا كله جزءٌ من صورة أوسع من الصراعات في تلك المنطقة من دارفور”.
واختتم قوله: “بعد الهجوم بفترة قصيرة، رأينا 200 عربة تويوتا هايلوكس، داخل المخيم. وبعد أسبوع، ارتفع هذا العدد إلى 400، أي ما يعادل لواء عسكري نظامي أو ما يشبه فرقة صغيرة تتراوح بين 2000 إلى 3000 رجل مسلح. وكانت الأسلحة مُثبتة على العربات. كما نرى أدلة أخرى على تحركات الدعم السريع من عدة اتجاهات نحو الفرقة السادسة، وهي آخر قوة تابعة للجيش السوداني في دارفور. ونشاهد أضرارًا جديدة داخل مدينة الفاشر. وبشكل أساسي، فإنّ الطوق يضيق حول المدينة. وقوات الدعم السريع، وبدون أي معارضة حقيقية أو ضغط دولي كبير، تكمل ما بدأه أسلافهم منذ نحو ربع قرن. وحتى الآن، لا أحد يتحرك لإيقافهم”.
لماذا يصمت العالم؟
التواطؤ بالصَّمـت المُريب والتجاهُـل من المجتمع الدولي حيال الحرب في السودان، أهم أسبابه، هي تعقيدات الصراع وتقاطع المصالح الجيوسياسية، والأجندات والصراعات الإقليمية والدولية التي لا تُخفى على أحدٍ، بالإضافة إلى فشل وإفشال كل الجهود الدبلوماسية في وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات سلام حقيقية، فالأصابع المُستفيدة من تدمير السودان وتسعى لتقسيمه، سعت لإفشال أي مبادرات إقليمية ودولية وعرقلت جهود الوساطات التي سعى فيها جيران وأصدقاء السودان.
في وقتٍ، تتّهم الحكومة السودانية رسمياً، الإمارات بدعم ميليشيا الدعم السريع لتغذية الصراع، مما يعقد الأزمة ويزيد من استمرار الحرب. وبالنسبة لدعم الإمارات لميليشيا الدعم السريع، نشرت كبريات الصحف العالمية مثل (واشنطن بوست، نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال والغارديان)، تحقيقات صحفية مصحوبة بصور الأقمار الصناعية تظهر الدعم الإماراتي السري لميليشيا الدعم السريع، عبر تهريب الأسلحة والمُسيّرات وعلاج الجرحى لجنود الدعم السريع، في وقتٍ، تنفي دولة الإمارات بشدة هذه الاتهامات. بينما يقول السودان إنّ دعم الإمارات للميليشيا وظهيرها السياسي، من أجل تحقيق مصالحها في السودان ونهب ثرواته. وفي ذات الوقت أظهرت صحف بريطانية أنّ وزارة الخارجية البريطانية قامت بجولة دبلوماسية واسعة من أجل عدم إدانة الإمارات العربية المتحدة في تدخلها في حرب السودان.
تزامن ذلك مع تلكؤ مجلس الأمن من إصدار قرارات صارمة لوقف إطلاق النار وإدانة ميليشيا الدعم السريع وداعميها، يؤكد على غياب أولوية السودان في أجندة مجلس الأمن. وذات الأمر ينطبق على الاتحاد الأفريقي.
وأهم عامل هو غياب الإرادة السياسية، في ظل تشظي الأحزاب الوطنية السودانية، التي تشترك في الوهن والضعف وتغرق في الصراعات الداخلية، ويتم تحريك أغلبها بالريموت كنترول من الخارج، ما زاد من تعقيد المشهد، فما الحرب إلا أداة من أدوات السياسة.. والسياسة في السودان وضع خارطتها المستعمر الإنجليزي، الذي خرج، ولكن ترك خلفه قوماً يأتمرون بأمره لا يخرجون من الحظيرة التي أنشأها لهم، وجميعهم يخطبون ودّه.
الله غالب.