في مساء مترف بالحنين، امتطيت طريقاً طويلاً يمتد من مدينة نصر حتى فيصل، ساعة كاملة كانت الروح تتيه بين الكباري المعلقة والطرق المسفلتة والعمائر التي تعانق السماء، كان العمران يروي للغريب قصة مدينة لا تنام.
وما ان وطات قدماي فيصل، حتى شعرت انني اطا ارض السودان السمراء. هناك، كان الثوب السوداني يحلق في الطرقات كراية محبة، وكانت الجلابية البيضاء ترفرف فوق القلوب الودودة، وكان عبير الالفة يفوح من الوجوه الطيبة. لم يكن المكان مجرد حي من احياء الجيزة، بل كان قطعة من الوطن تطعم الغربة شيئا من سكر اللقاء.
زحفت خطاي بشوق الى دار والدتي التي جمعت عندها العواطف وهديل وابنها الذي سمي علي والدي رحمة الله عليه ، حيث اختلطت رائحة القهوة السودانية بالبخور، وحيث تعانقت المشاعر قبل الايدي. استقبلتني صديقاتها الجميلات، سوسن العابقة بعطورها السودانيه وهيفاء الرقيقة كنسمة، وام سلمة الحنونة، وسهام وأمانينا، وكل اسم منهن كان قصيدة حب تتلى على مسامع قلبي.
قبل ذلك، حملتني الأشواق إلى لقاء صديقتي د. ولاء، فتهامسنا بكل ما حملته الحياة من ضحك والم وامل. زينت جلستنا الحاجة آسيا، امها الفاضلة، وزوجة أخيها “تاتا” كما ينادونها، وصديقتها الجميلة التي تحمل الامل الجديد ماجدة وكان حديثنا نسيجاا من المحبة البسيطة.
وفي طرقات فيصل خرجنا انا وولاء نبحث عن بعض الأغراض، جمعتنا الصدفة بنساء سودانيات لا نعرفهن، لكن القلوب عرفت بعضها من النظرة الاولي. تحدثنا عن الوطن البعيد، عن حكايات الوداع الطويل، وعن فقد لم يرمم إلا بالرجاء في أن الله هو العوض، وان بعد كل ليل فجر، وبعد كل محنة نعمة.
دخلنا بيت سوسن، وهناك وجدنا الحب سائغا، والمحنة مشفوعة بالصبر الجميل، وارتفعت ضحكاتنا تتسابق مع عقارب الساعة حتى سرقنا الليل من انفسنا.
وفي طريق العودة، بين أضواء الطريق ونسمات المساء، علمت ان اللقاء شفاء للروح، وصفاء للعقل، وتجديد لعهد الحياة. وان السودانيين، حيثما كانوا، تظل قلوبهم أوطانا صافية، وعطاؤهم بلا حدود، وأحاديثهم جسور حب لا تهدمها المسافات.
في فيصل… اضاءت ليالينا بحب لا ينطفئ.