*الذكري تجدد مع كل آخر خميس يأتي بشهر جمادي الثاني.*
ذكرى العارف بالله الخليفة مكي ونجله ابونا الخليفه أحمد ….نفعنا الله بهما وسيرنا بسيرهما وأمدنا الله بمددهما ومدد أجدادهم آميييين وحفظ الله أبنائه وأحفاده وأهله وأحبابه من كل شر ومكروه
لنتنفس معا سيرته العطرة 🫂🫂🫂🫂
ولد الخليفة مكي عام 1874 في مدينة بارا بكردفان ودفنت سرته في مقام السيد الحسن الميرغني (أبو جلابية) حيث نشأ في حياته الأولى وترعرع في كنف والده الحاج عربي, وحفظ القرآن على يد والده وعمه الفقيه مكاوي أحمد.
مع ظهور المهدي في كردفان انتقل رضي الله عنه مع والده الشيخ عربي وعمه الفقيه مكاوي الذي كان أميراً من أمراء المهدية وأسرتهم إلى أم درمان في معية المهدي في عام 1886 وكان في ذلك الوقت صبياً, وعند وصولهم إلى أم درمان استقروا في المنطقة التي سميت بهم نسبة للسادة الركابية والتي تعرف حتى الآن بحي الركابية, حيث أنشأ الفقيه مكاوي حلوة لتحفيظ القرآن.
واصل الخليفة مكي طلب العلم ودرس على يد الشيخ الجليل محمد البدوي المشهور بشيخ الإسلام وكان يزامله في الدراسة الشيخ قريب الله أبو صالح والسيد عبد الرحمن المهدي والشيخ أبو القاسم هاشم والشيخ الجيلي الشيخ عبد المحمود نور الدائم.
وقد قام والده الشيخ عربي وعمه الفقيه مكاوي بتخليفه في حياتهم على سجادة الطريقة القادرية وخلافة أجداد السادة الركابية الموروثة عن جدهم حبيب نسي المدفون في منطقة العفاض شمال السودان, وقدموه للصلاة وعمره لم يتجاوز العشرين عاماً.
تواصلت رضي الله عنه نشأته في بيت الدين والعلم, يعيش في ظلال المساجد يطلب العلم ويجاهد نفسه على العبادة والذكر, وبعد وفاة عمه الأكبر الفقيه مكاوي في عام 1905 وتبعه والده الشيخ العربي بعد أربعين يوماً, تولى خلافة سجادتهم واجتهد في طريق القوم, فكان صوفياً خالصاً في منهجه الذي عرف به طوال حياته, وكان ينشد الشيخ الذائق الواصل, صاحب البصيرة النافذة ليأخذ بيده, ويختصر له الطريق إلى الله عز وجلَّ,ويزيل عنه عقبات النفس الخفية.
سلوكه على يد مولانا السيد علي الميرغني:
وعندما أذن له الله بالفتح العميم ساقته العناية الإلهية لصاحب السيادة العسيب النسيب مولانا السيد علي الميرغني خزينة الأسرار الربانية وصاحب وقته, وأخذ عليه الطريقة الختمية الطاهرة فكانت أورادها النورانية معراجه الذي فتح له أبواب المنح وأسرار النور الإلهي, فصار الخليفة من خواص خواص مولانا السيد علي الميرغني وخليفة خلفائه.
وكان يتأدب عند حضرته ويجلس بجوار شيخه لا يتحدث إلا بحديث القلب ولا يرفع صوته أبداً وكان ملتزماً بأوراد الطريقة الختمية في الجماعة ويحث التلاميذ على المواظبة عليها. وقد كان مولاه السيد علي الميرغني رضي الله عنه يرسل للخليفة مكي ليقوم بالنيابة عنه في كثير من المناسبات, خاصة في أيام المولد كما كان معروفاً عنه خروجه في زفة المولد النبوي الشريف بأم درمان كل عام, حيث كان يتقدم أهل الطريقة الصوفية وقد ذكر من عاصروه أن السيد علي الميرغني إذا قال (يا خليفة) هكذا مجردة فإنه يعني الخليفة مكي, حتى ولو كان المجلس مليئاً بالخلفاء, ومن شواهد محبته لشيخه السيد علي الميرغني أنه في أول انتخابات عامة أجريت في عام 1953 أعلن فوز السيد إسماعيل الأزهري بإحدى الدوائر في المذياع. وكان الخليفة مكي عند إعلان الفوز قادماً في الطريق من واجب للعزاء في إحدى الوفيات بأم درمان, وعندما سمع بفوز الأزهري خر ساجداً لله في وسط الطريق وأمام أبنائه وتلاميذه وعندما رفع رأسه قال لهم: لا تظنوا أنني سجدت شكراً لله لفوز الأزهري وإنما سجدت شكراً لأن أمنية السيد علي الميرغني قد تحققت وقد ذكر تلاميذه أنهم كانوا يتحدثون يوماً عن أوصاف وملامح مولانا السيد علي الميرغني رضي الله عنه وكان الخليفة مكي جالساً بالقرب منهم وسمع حديثهم فقال لهم متعجباً: أتنظرون للسيد علي وتعلمون ملامح وجهه فإني والله لا أعلم ملامحه ولم أطيل نظري فيه يوماً. وقال لهم (والله الواحد يقابل المدفع وما يقابل وجه سيدي علي).
علاقاته بأهل الطريق:
عرف عن الخليفة مكي رضي الله عنه علاقته الطيبة بالسيد عبدالله المحجوب الميرغني بن السيد محمد سر الختام المدفون في مدينة بحري والذي كان يقيم بمنزله المعروف بحي بيت المال بأم درمان وكان الخليفة مكي قد اخذ بعض العلوم على يديه خاصة علم الحروف. وذكر الشيخ الدكتور بابكر عبد الله عليه رحمة الله أن والده الشيخ عبد الله كان أحمدياً إدريسياً وكان يذهب لمقابلة الخليفة مكي يتلقى منه علم الحروف وذكر له أن الخليفة مكي اخذ هذا العلم من السيد عبد الله المحجوب الميرغني رضي الله عنه الذي كان أعلم أهل الأرض بعلم الحرف في زمانه.
كان رضي الله عنه لديه علاقات ممتدة مع أهل الطرق الأخرى, فقد كان الشيخ قريب الله أباً صالحاً من أعز أصدقائه ورفيق دربه منذ الصغر, فقد كان يسكن الشيخ قريب الله في حي الركابية قبل أن ينتقل إلى موقع مسجده الآن في حي ود نوباوي فجمعت بينهم صلة الجيرة والعلم والصحبة وقد ذكر الخليفة مكي لتلاميذه بعد وفاة الشيخ قريب الله أن الشيخ قريب الله كان قد أوصاه قبل وفاته بابنه الشيخ الفاتح الذي تولى الخلافة بعد أبيه, وكان لا ينقطع عن زيارة الخليفة مكي وكذلك علاقته بالسيد عبد الرحمن المهدي والسيد عبد الله الفاضل المهدي, الذي تجمعه صلة القربى بالخليفة مكي بوالدته, وكانت له صلة طيبة بالسادة الأدارسة خاصة السيد الحسن والسيد إدريس نجلا السيد محمد شريف بن السيد عبد المتعال الإدريسي كما كانت له صلة بالشريف يوسف الهندي وتواصل بالزيارات.
وكان رضي الله عنه لديه محبة خاصة لسيدي أحمد البدوي, وتجمعه صلات محبة في الله بمشائخ الطريقة الأحمدية البدوية في أم درمان خاصة الشيخ عبد الرازق الأحمدي وخليفته الشيخ موسى الأحمدي المدفون بحي الصبابي بمدينة بحري, كما له صداقة ومحبة مع الشيخ إدريس الأحمدي وخليفته الشيخ يوسف الأحمدي.
ومن أهل الطريق القادري كان رضوان الله عليه بحكم سلوكه الطريق القادري في بداية نشأته تجمعه صلات وطيدة بعدد من مشائخ الطريق القادري خاصة الشيخ عبد الباقي المكاشفي, ومنهم من تتلمذ على يديه أمثال الشيخ علي الحاج القادري والشيخ جدو, والشيخ عبدالله سعيد بأم درمان, وقد كان مريدو الشيخ المكاشفي كثيراً ما يأتون لزيارته كما كانت لديه صلة قوية بالسادة العركيين حتى أنهم طلبوا المصاهرة مع الخليفة مكي فقام بتزويج إحدى حفيداته للشيخ الطريفي أبو إدريس الشيخ مصطفى.
أخلاقه وشمائله:
كان الخليفة مكي ودوداً متواضعاً باراً بأهله وجيرانه وجميع معارفه متوكلاً على الله في جميع أحواله مفوضاً أمره إليه زاهداً في الدنيا مقبلاً على الآخرة, لا يسأل الناس شيئاً قط, وكان رضي الله عنه كريماً سخياً ينفق كل ما يدخل عليه من الدنيا ولا يدخر شيئاً وكان يقول: لو تركنا شيئاً لباكر لحكم علينا بالحرص, ولخرجنا من صفات القوم, فهذا المال من الله وإلى الله, و رضي الله عنه كان الاستقامة لا يغفل عن ذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رضي الله عنه ورعاً يتحسس الحلال في مأكله ومشربه على نفسه وأهل بيته وتلامذته, وقد ذكر لنا أحد تلامذته الشيخ معروف خليل بأنه رضي الله عنه كان يحب الكوكاكولا عند ظهورها ويشتريها لضيوفه إكراماً لهم فقال له أحدهم بأن صناعة الكوكاكولا يدخل فيها بعض عناصر الخنزير, فتركها من يومه حتى وفاته, ورغم إلحاح تلامذته عليه بعدم صحة هذا الحديث إلا أنه كان رضوان الله عليه يتقي الشبهات.
وعرف عنه انه مستجاب الدعاء لا يأتيه طالب في سؤال ويرفع يديه إلا قضى الله حاجته ببركة دعائه وقد ذكر أحد أبنائه بأنه ذات يوم أتى إليه طالباً منه رسوم الدراسة فقال له الخليفة (الفاتحة) وإنشاء الله يأتي المال, فقرأ معه الفاتحة وخرج, وعند وصوله لناصية المنزل قابلة أحد جيران الخليفة مكي, وكان تاجراً في سوق أم درمان لا يخرج إلى السوق حتى يأتي الخليفة ويطلب منه الدعوات الصالحات, فقال التاجر يا بني اذهب بهذا الكيس إلى أبونا الخليفة وقل له إنني مستعجل في غرض هام ولا أستطيع الحضور اليوم, وما ينسانا من (الفاتحة) فأخذ الكيس ورجع به إلى الخليفة مكي ولما فتح الكيس أمام الخليفة وجد به مبلغاً كبيراً من المال, فقال له الخليفة خذ رسوم الدراسة ومصاريفك ويا ولدي فاتحتنا دي الناس كايساها بالقروش أنا أديتك ليها ساكت وأنت ما راضي.
وكان رضي الله عنه ذو همة عالية في الطريق يقيم الليل كله ولا ينام إلا نومة بعد العشاء, ولا يقوم من مجلس الذكر في السحر إلى لصلاة الفجر فإذا صلى الصبح جلس يقرأ الراتب مع تلامذته وبعد صلاة الإشراق يرجع فيدخل خلوته ليقرأ ورد الضحى, ولا يقابل أحداً إلا بعد الانتهاء منه. وقد ألزم نفسه المجاهدة فكان يدخل كل عام الخلوة لمدة أربعين يوماً متتالية صائماً قائماً.
وكان رضي الله عنه يهتم بالعلم والعلماء وكانت لديه علاقات كثيرة متصلة بكثير منهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ علي أدهم الشيخ مدير الحجاز, الشيخ أبو القاسم هاشم الشيخ إبراهيم الشنقيطي, وكان يهتم بإقامة دروس العلم في مسجده الذي بناه عام 1942 وقد كان مولانا السيد علي الميرغني يرسل إليه طلبة العلم القادمين من شرق السودان ومن دولة اريتريا ولكي يقيموا معه ويتلقوا العمل في معهد أم درمان, وقد تخرج على يديه مفتى الديار الاريترية الحالي الشيخ الأمين عثمان الأمين, وكذلك شيخ سجادة الطريقة القادرية بدولة اريتريا الشيخ حسن الأمين (راجل أمبيرمي) وقاضي اريتريا الشيخ موسى آدم رحمة الله. وكان رضي الله عنه يحث تلامذته على مطالعة كتب القوم لتعينهم على سلوك الطريق وقد قرأوا عليه كتاب (تاج العروس الحادي لتهذيب النفوس) لابن عطاء الله السكندري
وكان رضي الله عنه محباً للصالحين والأولياء من عباد الله, ويهتم بسيرتهم وزيارتهم والتبرك بهم ومن شواهد ذلك ما ذكره تلميذه الخليفة تاج الختم محمد أحمد بأن الخليفة مكي في أحد الأيام طلب منه أن يكتب له جميع الصالحين المذكورين في كتاب (جامع كرامات الأولياء) للإمام النبهاني وعندما قام بإحضار الأسماء له قام الخليفة مكي بتطبيقها وتغليفها ولبسها حجاباً له.
منهجه وتلامذته
كان رضي الله عنه شيخاً مرشداً كاملاً توفرت فيه شروط المشيخة الكاملة ومن أهمها العلم بأحوال النفوس وسيرها فكان رضي الله عنه عالماً بما ينفع المريد وبما يضره, ذو منهج قويم في طريق القوم, متمسكاً بآداب الطريقة الختمية مواصلاً لهم وقد ألزم تلامذته بالمجاهدة وسلوك النهج المستقيم ورباهم على المواظبة في الأوراد وقد ذكر بأن من ياتي إلى مداخل حي الركابية كان يسمع صوت الأذكار في مسجد الخليفة مكي, وكان يهتم بإقامة الاحتفالات الدينية ويحب سماع المدائح النبوية وكان وقته في العبادة أو الموانسة بذكر الصالحين أو الجلوس في حلقات العلم وقد ألف رضي الله عنه قصيدة يحث فيها على السير في طريق القوم ومحبتهم وزيارتهم قائلاً:
لا إله إلا الله لا إله إلا الله
لا إله إلا الله ربنا المولى الأجل
حمدت الله شكرت الله دعوت الله يهون أمري بإذن الله كما ألف رضي الله عنه عدداً من الدعوات المباركات وله صلاة على المصطفى شفيع الأمة, تحتوي على دعوات لتوسيع الرزق.
وبالجملة كانت له كرامات كثيرة يرويها عنه تلامذته وكل من شاهده من أهل عصره, من أهل الطريقة الختمية والطرق الأخرى, وقد ذكر أحد كبار تلامذته الخليفة عبد الهادي زياد بأنه أتى من مدينة ود مدني بغرض الدراسة في معهد القرش الصناعي, وكان يسمع عن الخليفة مكي ولكن لم يجتمع فذهب لزيارته وأول ما وقع بصر الخليفة مكي عليه وقف على قدميه وسلم عليه قائلاً: (مرحب وصلت يا المبروك) وكانت هذه أول كرامة شاهدها لشيخه الخليفة مكي, إذ أن هيئة استقباله له دلت على أنه يعرفه وينتظر قدومه, وكان يحكي الخليفة عبد الهادي هذه الواقعة ويرددها مراراً واصفاً شعوره آنذاك بقوله (تمنيت لو لم يكن لي أهل قط!) وعلى العموم فليس هنالك كرامة أجل وأعظم من الاستقامة.
وقد ساهم رضي الله عنه بالدعوة إلى الله على بصيرة في نشر الطريقة الختمية وإرشاد سالكيها, وكان يهتم بشؤون الطريقة وبمريديها, وقد سافر كثيراً في سبيل الدعوة إلى الله بتوجيهات من شيخه مولانا السيد على الميرغني إلى العديد من المناطق خاصة الشمالية وكردفان وكانت له عناية خاصة بأهله الركابية في بارا ووقف على بناء مسجدهم العتيق, وأشرف على تجديد مقام السيد محمد الحسن الميرغني وقد كانت للخليفة مكي في حياته العامرة الكثير من الصلات الطيبة ومع خلفاء الطريقة في ذلك الوقت على سبيل المثال الخليفة محمد أحمد, جد الخليفة الشيخ عبد العزيز محمد حسن خطيب مسجد مولانا السيد علي الميرغني والخليفة مصطفى احمد البتولة والخليفة محمد أحمد والخليفة عثمان بحي السيد مكي ومن الذين تتلمذوا على يديه نذكر على سبيل المثال لا الحصر: الخليفة عبد الهادي زياد بود مدني الخليفة علي محمد بابكر, الخليفة يوسف محجوب علي من كسلا, الخليفة تاج الختم محمد أحمد, الخليفة عمر ضيف الله وقد صار تلامذته فيما بعد أعلاماً في الطريقة الختمية وفي التصوف,الا رحم الله من سلف منهم وأمد الله في أعمار البقية,وأعان الله خليفته على الأمر مكانة الخليفة أحمد الخليفة مكي, وحفظ إخوانه وأبناءه وأهل بيتهم جميعاً.
وفاته رضي الله عنه:
توفي الخليفة مكي رضي الله عنه وأمدنا الله بإمداداته, في يوم الأربعاء 22 سبتمبر من عام 1965 وهو في العقد التسعين من عمره وقد توفي ولديه طفل عمره أربعين يوماً فقط, وكانت أكبر كريماته تبلغ من العمر ما يقارب السبعين عاماً ودفن رضي الله عنه في مقابر أحمد شرفي شمال مدينة أم درمان في قبة والده الشيخ عربي وعمه الفقيه مكاوي وصلى عليه جمع غفير من الناس وقد رثاه تلميذه الخليفة عمر ضيف الله عليه رحمة الله قائلاً:
رحلتم أيها الرجل المهاب
سكنتم في الجنات أم التراب
نأيتم أم ناينا نحن عنكم
فدوني حال بينكم الحجاب
رحم الله خليفة الخلفاء محمداً المكي عربي الذي أفنى حياته كلها في سبيل الله عابداً وداعياً ومرشداً وأمدنا الله بإمداداته وبركاته في ذكراه السنوية وزادنا الله مدداً من مدد سادتنا المراغنة الأخيار وآل بيته الأطهار وأختم قولي بالصلاة معظما أيا ربنا صلي وبارك وسلما على المصطفى والآل والصحب دائماً
صلاة تفوق المسك عطراً مفخماً يطيب بها كل الوجود ويتلألأ