*السياسة الأمريكية تجاه السودان الحلقة الخامسة: عودة ترامب (1) كتب: عبد الرحمن الغالي*

بسم الله الرحمن الرحيم
السياسة الأمريكية تجاه السودان
الحلقة الخامسة: عودة ترامب (1)

كتب: عبد الرحمن الغالي

مشروع 2025 … مانفيستو المحافظين لرئاسة ترامب:
***
استشرافاً لانتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، حزم المحافظون أمرهم وحشدوا مواردهم البشرية والفكرية استعداداً لما يبدو أنه معركة فاصلة لتغيير وجه أمريكا وهزيمة أعدائهم الفكريين والسياسيين.
احتشدت أكثر من 50 مؤسسة محافظة، وشارك مئات المتطوعين من المفكرين والسياسيين والأكاديميين المحافظين لوضع خطة تكون جاهزة للتطبيق الفوري في حال فوز رئيس جمهوري، ذلك أنهم رأوا أن قمة قوة الرئيس وقدرته على تنفيذ أجندته تكون في الأيام الأولى لرئاسته.
أصدرت مؤسسة هيريتيج ( التراث) تلك الخطة/ المانفستو ( مشروع 2025) بعنوان ( تفويض القيادة … وعد المحافظين) في أكثر من تسعمائة صفحة.
تهدف الخطة لإصلاح الحكومة الفيدرالية وتقليص صلاحياتها، حيث يرى المحافظون أنها صارت بؤرة للثقافة الماركسية، ووحشاً مسلحاً ضد المواطنين وضد القيم المحافظة يحاصر الحرية ويعيق الأداء.
يسعى المشروع لتفكيك ” المؤسسة” أو الدولة العميقة وبيروقراطيتها كما يسعى لتقوية وتركيز السلطة في يد الرئيس ضمن أهداف أخرى.
ظهرت ملامح ( مشروع 2025) في فترة مبكرة من رئاسة ترامب واجراءاته الجذرية في سياسته الداخلية والخارجية ( مثل الانسحاب من منظمة الصحة العالمية ووقف المساعدات الخارجية ومراجعة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والامتناع عن تمويل بعض وكالات ومجالس الأمم المتحدة مثل مجلس حقوق الانسان).
هذا المانفيستو اليميني المحافظ ( الراديكالي في محافظته وفي تنفيذه! ) سيجد بلا شك مقاومة عنيفة من المجتمع الأمريكي المنقسم بحدة أصلاً.
(2)
يشهد المجتمع الأمريكي انقساماً حاداً أخذ يبرز على السطح في محطات منذ احتجاجات سياتل ضد العولمة ومنظمة التجارة العالمية، مروراً بحركة ( احتلوا وول استريت) occupy wall street movement
ثم المعارك والحملات الأصغر مثل ( الكفاح من أجل 15 دولاراً ) The Fight for $15 وحركة الأرواح السوداء أيضاً مهمة ( بلاك لايفز ماتر) والمسيرات النسوية ضد ترامب ومسيرة من أجل حياتنا وغيرها.
هذا إلى جانب صعود تيار يساري قوي تزعمه في فترة من الفترات المرشح الرئاسي بيرني ساندرز.
وظهرت ملامح ذلك الانقسام المجتمعي والسياسي في العديد من الكتب الأكاديمية ولكن كتاب صامويل هنتينقتون ( من نحن… تحديات الهوية القومية لأمريكا) أظهر ذلك الانقسام الذي ظل يتردد في خطب الرؤساء الأمريكيين.
(3)
بعض أوجه مشروع 2025 والتي تؤثر على السودان:
***
أذكر هنا نماذج قليلة لتأثير السياسات المقترحة في المشروع على السودان.
ففيما يتعلق بمبيعات السلاح الخارجية ( في الفصل الذي يتحدث عن اصلاح سياسات وزارة الدفاع) يدعو المشروع لاستعادة دور أمريكا كترسانة للديمقراطية تبيع السلاح للدول الصديقة. ينتقد المشروع العقبات الموضوعة أمام حرية بيع السلاح والبيروقراطية التي تقيد البيع وتطيل أمد التسليم.
يشكو ( مشروع 2025) من تراجع مبيعات السلاح من 55,7 مليار $ في سنة 2018 إلى 34,8 مليار $ في سنة 2021.
يقترح المشروع التخلص من خطوة الإبلاغ غير الرسمي للكونغرس بالصفقات، وتخفيف القيود التي تعيق تجارة السلاح الدولية واصلاح عملية التعاقد وتقليل مدة التسليم.
ولا شك أن مثل هذه السياسات ستقوى نفوذ الدول التي تشتري صمت ومباركة أمريكا لسلوكها السياسي وهذا مدخل خطر يزيد من عجز أمريكا عن كبح جماح تسليح الامارات للدعم السريع( لاحظ رجوع ترامب من جولته الخليجية بوعود بلغت 4 ترليون $).
أما في باب السياسة الخارجية التي أوصى بها مشروع المحافظين فهي تقوم على المرتكزات الآتية فيما يتعلق يالشرق الأوسط:
– يظهر المشروع حرص أمريكا الواضح على مصلحة إسرائيل كأولوية في السياسة الأمريكية.
– يرى أهمية اتفاقات ابراهام وضرورة المحافظة عليها وتطويرها لأنها تؤدي/ أدت لإنهاء مركزية الصراع العربي – الاسرائيلي ونقلت الاهتمام إلى إيران كخطر رئيسي أول على أمريكا. كما قادت لتقوية الحلف ضد إيران.
– وأوصى المشروع بعمل شراكة مع الامارات وإسرائيل والمغرب وقطر والكويت للمساعدة في الشراكة الاقليمية مع افريقيا.
– كما أوصى بتقوية وترقية اتفاقات ابراهام وزيادة التجارة بين اسرائيل وجيرانها العرب.
– ثم أوصى المشروع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ( USAID) بالتركيز في مساعدات التنمية على دول مثل المغرب والسودان عبر استثمار مشترك مع الاقتصاديات الأكثر تطوراً مثل الإمارات وإسرائيل.
(4)
يلاحظ القارئ هنا الربط بين دول الخليج والشراكة معها كمدخل للشراكة مع افريقيا.
وقد ذكرنا في الحلقات السابقة توصية بعض الخبراء أن يتم توحيد الملف السوداني بحيث يمكن التأثير على الدول الشرق أوسطية المؤثرة في الشأن السوداني ولا يحصر الملف في مكتب مساعد وزير الخارجية للشؤون الافريقية أو مبعوث القرن الافريقي.
واتساقاً مع ذلك فقد عين الرئيس ترامب السيد مسعد بولوس كبيراً لمستشاريه للشؤون العربية والشرق أوسطية في 1/12/2024.
وفي 1/4/2025 أعلنت وزارة الخارجية تعيين السيد مسعد بولوس كبير مستشاري أفريقيا.
وفي 3/6/2025 عقد نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو ومعه مسعد بولوس اجتماعاً مع سفراء الامارات والسعودية ومصر لدى أمريكا بشأن إنهاء الحرب في السودان.
وهذا ما ظللنا نقول به من أن خطة أمريكا هي العمل على حل التناقضات الثانوية بين الدول الثلاث فيما يخص مصالحهم في السودان.
ويجب قرن ذلك بما ذكرناه عن أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط الساعية لتحقيق مصالح إسرائيل وأمنها وحل خلافات حلفائها.
ونواصل في الحلقات القادمة إن شاء الله

مقالات ذات صلة