في مراحل التحوّلات الكبرى التي تمر بها الدول، لا يكون المطلوب مجرد سياسي بارع أو إداري متمرّس، بل “رجل دولة” تتوافر فيه من الصفات ما يؤهله لوضع الأسس، واحتواء التناقضات، وفتح أفق جديد في التاريخ الوطني. في الحالة السودانية، ومع تعقيدات الحرب والانقسام، يبرز الدكتور كامل إدريس، رئيس الوزراء الحالي، كنموذج مثير للاهتمام في سياق البحث عن هذا “الرجل المناسب للمرحلة التأسيسية”.
من هو كامل إدريس؟
د. كامل الطيب إدريس، أكاديمي وخبير قانون دولي شغل سابقاً منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، وهو أول رئيس وزراء يعينه الجيش السوداني منذ اندلاع الحرب في 2023. يتمتع بخبرة طويلة في العمل الدبلوماسي الأممي، ويُعرف باستقلاله النسبي، ونزاهته، وانضباطه المهني.
ما الذي يميّزه؟
بالمقارنة مع سلفه عبد الله حمدوك، فإن كامل إدريس يأتي من خلفية قانونية ودبلوماسية لا سياسية، وهذا قد يمنحه بعض الحياد في بيئة مسيّسة حتى النخاع. كما أن تاريخه في مؤسسات دولية يمنحه ثقلاً خارجياً مهمًا، خصوصاً في ظل حاجة السودان اليوم للدعم الدولي لإعادة الإعمار والاستقرار.
الرجل طرح منذ أول خطاب له مفاهيم جدية: الاستشفاء الوطني، إعادة بناء الدولة، سيادة القانون، ووقف الحرب عبر الحوار السوداني – السوداني. وهي مفاهيم تعكس تفكيراً استراتيجياً، لا ردود فعل آنية.
التحديات أمامه
لكن الطريق ليس مفروشًا بالورد. فإدريس يواجه تحديات كبرى على مستويين:
1. **داخليًا**: بنية دولة منهارة، انقسام عسكري مدمر، طبقة سياسية ممزقة، وغياب حاضنة شعبية موحدة. هذا إلى جانب نفوذ شبكات مصالح متجذّرة لا يسرّها إصلاح حقيقي.
2. **خارجيًا**: صراع مصالح إقليمي، ومجتمع دولي متردد، ودول تتدخل بلا تحفظ في الشأن السوداني. دون دعم دولي فعّال، ستظل خططه حبراً على ورق.
### الفرصة الممكنة
فرصة إدريس الحقيقية تكمن في قدرته على التحرك بسرعة لبناء حكومة كفاءات حقيقية، والانفتاح على قوى الثورة والمجتمع المدني، وإطلاق عملية عدالة انتقالية نزيهة. وعليه أن يوظف خلفيته الأممية لتأمين دعم فني ومالي لخطة وطنية متكاملة لإعادة الإعمار.
نجاحه لا يتوقف فقط على نواياه، بل على ما إذا كان قادرًا على **فرض إيقاعه على النظام** بدل أن يُحتوى داخله. فإن نجح في ذلك، قد يكون بحق “رجل الدولة” الذي يُؤسّس لجمهورية سودانية جديدة.
### الخاتمة
السودان لا يحتاج فقط إلى وقف الحرب، بل إلى من **يؤسّس للسلام والدولة**. كامل إدريس أمام امتحان تاريخي؛ إما أن يكون مجرد مرحلة في أزمة طويلة، أو أن يكون نقطة بداية لزمن جديد.
*النشر في هذا التوقيت ليس رفاهية، بل ضرورة. فالرأي العام بحاجة إلى تقييم دقيق للفرص والتحديات، بعيداً عن الشائعات والاصطفافات.*