أبعث بهذا المقال من داخل المستشفى بعد أن أجريتُ عملية جراحية ضرورية انتهت قبل ساعات قليلة. ولا يفوتني أن ألتمس القرّاء والمتابعين الدعاء للمولى عز وجل بأن يعجّل بالشفاء لي وللوطن المكلوم، وقبل ذلك الرحمة والمغفرة للشهداء. ما ألزمني على التحامل والكتابة اللقاء الذي جمع البرهان بمستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس، والذي حتماً سيشكّل نقطة تحوّل حقيقية، يمكن أن تؤدي إلى توقف أو بالأصح انتهاء – كل حروب السودان، إذا ما كانت مصلحة الوطن، وليست المصالح الذاتية هي دافع كل الفاعلين في المشهد، والذين بيدهم فعلاً أن يوقفوها لو تجردوا وعملوا بنية خالصة لاستغلال الفرصة. ما يوقف الحرب فعلاً لا يكلّف الجميع سوى إعلان واضح بأن على الدعم السريع أن يضع سلاحه ويوقف تمرّده ضد السودان.
قبل اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل، وضمن مقالات دولة القانون، كنتُ قد تنبأت – ضمن كثيرين – بأن كل المؤشرات تدل على قيام حرب واسعة النطاق في السودان. لم أتوقف – كغيري – عند النبؤة، بل وبمجرد اندلاعها ذهبت، وبصورة مباشرة، للقول بأن لهذه الحرب عشرة أضلاع، لكل ضلع منها مصلحة تختلف عن مصالح الأطراف التسعة الباقية. الحروب، وإن كانت بحد ذاتها ذروة سنام العمل السياسي، الداخلية منها، بالذات، أبجديات وقفها لا تحتمل سوى الانحياز الصريح ضد المارق على القانون. إصرار أي طرف سياسي على التمسك بما يخدم أجندته، يعقّد الأمور، لكونه سيغلب المصلحة الشخصية لا الوطنية. البحث عن النوايا والدوافع، والحديث عن أن جهة بعينها هي التي أطلقت الرصاصة الأولى، تظل مجرد تخمينات، أو في أحسن التفاسير اتهامات، وصفها القانوني لا يتعدى مسائل الواقع التي تحتاج لبينات. هذه الحقائق من البديهي استحالة بلوغها والحرب مشتعلة. على العكس تمامًا، من يحاول إيجاد المبررات وتكرار الحكايات والسيناريوهات – عن قصد أو بدونه – فهو لا يطمس الأدلة وحسب، وإنما يتلف حتى مفاتح الكشف عنها.
الثابت الوحيد، أن القوات المسلحة، مهما كان ضعفها، تظل المؤسسة الرسمية للدولة السودانية سيما وأن الكل يدعي بأنه يهدف لإصلاحها لا إلغائها. الدعم السريع – وطبقاً لأي دستور أو قانون أو مبادئ لها قوة التشريع أو المنطق والوجدان السليم – قوة تخضع، ويجب أن تخضع لسلطة المؤسسة الرسمية. المنطق يستدعي، والحرب مشتعلة، ا
أن الفرع لا يعقل أن يطالب، وبالقوة، إصلاح الأصل، اللهم إلا إذا كان غرض التحرك التمرد. إزاء هذا الواقع، لو أن كل الأطراف السياسية أعلنت وطالبت الدعم السريع بوقف خروجه على المؤسسة العسكرية، لانتهت الحرب، واستطاع كل طرف إنجاز هدفه السياسي بأقل الأثمان. فاللجوء لهذا المنطق بصوت غالب كان سيغلق الباب أمام الدعم السريع ويفقده الشرعية المحلية والإقليمية والدولية للاستمرار في أي عمل عسكري أو حتى سياسي. السؤال الذي طرح نفسه، وسيظل مطروحاً: هل تستطيع أضلاع هذه الحرب أن تعلن، أو حتى توجه نداءً، للدعم السريع ليوقف تمرده على مؤسسات الدولة؟ أم أن فرضيات تبرير التمرد لم تكن سوى ذرائع وحجج مبطنة لتحقيق مصالح ذاتية مستترة منطلقها اللعبة القذرة وكلمة الحق المراد منها باطلاً؟ مهما يكن من أمرٍ، وبعد أن أعلن مجلس الأمن الدولي، قبل ساعات قليلة، أنه لا يعترف بحكومة تأسيس، ويعتبرها مهددة لأمن واستقرار السودان، انتهت الأرضية السياسية لهذا الكيان. بالانهيار محلياً وإقليمياً ودولياً لا يجوز لأي جهة دعم ذات الكيان ليستمر في حربه على الوطن والمواطن. المطالبة الصريحة للدعم السريع ليضع حداً لتمرده لن يوقف هذه الحرب بل سيقضي على آمال كل الحركات التي تأمل أن تسلك هذا السبيل.
د. عبد العظيم حسن
المحامي – الخرطوم
13 أغسطس 2025