‘د. محمد عبد الكريم الهد يكتب :اجتماع سويسرا تغير في مسار إستراتيجي*

معلوم من السياسة بالضرورة أن الإستراتيجية الأمريكية قائمة على إستراتيجية النظام العالمي الجديد، وأجازها الكونجريس الأمريكي ومجلس الشيوخ، والتي فصلت أهدافها وفق خارطة اليهودي المستشار برنارد لويس، وتنفذ عبر الحزبين الحاكمين لأمريكا- كل في زمان فوزه بالإنتخابات الأمريكية – ومن أهم أهدافها تقسيم الدول لدويلات صغيرة، ليسهل السيطرة عليها سياسياً وإقتصادياً، والتي تفترض تقسيم السودان لخمس دويلات متشاكسة- في الحالة السودانية انفذ منها إنفصال جنوب وكان يفترض أن تسير الخطة لفصل دارفور بعد الجنوب مباشرة، ثم ينفرض عقد اللؤلؤ. تغير المسار الإستراتيجي لخطة النظام العالمي لتقسيم السودان بنجاح ما يعرف بثورة ديسمبر 2019م ، بعد الإنهيار السريع لحكومة الإنقاذ، ليتغير المسار الإستراتيجي لإبتلاع كل السودان مرة واحدة بدل تقسيمه عبر مراحل زمنية -بتواطو إقليمي- ولكن هيهات، الجيش السوداني الذي تفرد بكسر المربع الإنجليزي لأول مرة في تاريخ الحروب – بفضل الله ثم شجاعة جنوده- تمكن من كسر خطة الإبتلاع الشامل للسودان، اكتمل ذلك بتفرد قيادة القوات المسلحة السودانية ثم صمود شباب السودان وحكمة كهوله و صلابة القوات المساندة المشتركة مورال وكتائب البراء ودرع السودان والمستنفرين من شباب السودان. بتحرير العاصمة ووسط السودان، توجهت القوات السودانية لكردفان ودارفور لدحر ما تبقى من مليشيا آل دقلو، والتي تم إسنادها -بعون وكيل الصهيونية دويلة الإمارات- بمرتزقة من إثيوبيا وتشاد وغرب افريقيا وجنوب السودان وروس وأخيرا كولمبيين- وتم الرجوع لأصل خطة برنارد لويس لفصل دارفور( بناء على خطة النظام العالمي الجديد) بتعاون كامل من المتمرد عبد العزيز الحلو الذي يسيطر على جبال كاودا بدعم لوجستي من حكومة جنوب السودان – هذا التحول لم يكن متوقع أن يحدث بهذه الطريقة خصوصا أن ترياق ذلك وضع داخل إتفاق جوبا الذي وضع لتحييد حركات التمرد الدارفورية غير العربية (اصطلاحا وليس ثقافيا) وكثافة العملاء المصنوعين، والتفكيك الكبير الذي حدث للأجهزة الأمنية والشرطية وعمليات التسريح الكبرى للضباط داخل القوات المسلحة- سقط عن المخطط البعد الثقافي السوداني وأن الإيمان يزار في قبل المؤمن كما يزار الأسد في الغابة.
التغير الكبير الذي أحدثه فوز الرئيس الأمريكي ترامب بجولة جديدة لحكم امريكا حاملاً برنامج امريكا اولاً، وحلم الرئيس ترامب ليختم حياته السياسية كرجل سلام ثانياً يستحق جائزة نوبل للسلام والتي حالت المجازر الدموية لسكان غزة وحصارهم وتجويعهم دون تحقيقها. دفع مستشارو الرئيس ترامب للبحث عن مكياج لرجل السلام ترامب، ولم يجدوا نقطة ساخنة غير السودان . برغم من تورط امريكا في الحرب تخطيطاً وادارة عبر خادمها المطيع إمارات الشؤم، التي تغازل الرئيس ترامب ليحقق مكاسب شخصية من صفقات بمليارات الدولارات مع الإمارات عبر شركاته الأسرية، والإمارات عضوا فعالاً في إتفاقية ابراهام، لا يستقيم على الاطلاق أن يهتم الرئيس ترامب بشعب السودان- الذي يعاني من المجاعة والابادة الجماعية- إذن الأمر يبدو كالتلويح بعصا القوي ( يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) الله غالب .
الشعب السوداني ارتفع وعيه السياسي الإستراتيجي مع تطور الأحداث الدرامتيكية لتحول ايقونات الثورة ورموزها النضالية لشفشافة ومغتصبين ونهابين لمنازلهم وممتلكاتهم، واكتملت عند الشعب الصورة بعد تكوين حكومة تأسيس بكينيا، فأصبح شعب السودان عصي على السواقة بالخلاء وتبددت عاطفة الديمقراطية المنقذة، التي لم تشفع لأهلها حتى بحق التظاهر ضد تجويع وتدمير وحصار أهل غزة فانكشف زيف الغطاء الديمقراطي الليبرالي.
الإجتماع الذي تم بين الرئيس البرهان وكبير مستشاري الرئيس الأميركي ترامب بخصوص الحرب في السودان والوصول لعملية سلام لحرب السودان، يعتبر خطوة نحو فقه ( وان جنحوا للسلم فاجنح لها) وفقه (تقليل المفاسد مقدم على جلب المصالح)، والشعب على قناعة راسخة أن القيادة واعية ومدركة للوضع الإستراتيجي للسودان والتحديات العالمية والإقليمية، وما يريده أهل السودان إجتثاث التمرد ومليشياته واعوانه من ارض السودان، ولا مكان مرة أخرى لمن خان الشعب السوداني، وإن سنتين من الحرب على الشعب السوداني غيرت كثيراً من المعادلات في الملعب السوداني والإقليمي الدولي، وأن السودان لا يؤكل مرة اخرى من أماني رفع الحصار وإعفاء الديون والدعم المالي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والإعانات والإغاثات وهلم جرا….. ولكن لابد من التعاطي الإستراتيجي وفق قاعدة فقه ( لست بالخب ولا الخب يخدعني)، اللهم هيئ لقيادة السودان رشدا.

مقالات ذات صلة