كشفت ست منظمات أفريقية ودولية غير حكومية، إضافة إلى أربعة تحالفات سودانية ودولية تضم أكثر من 35 منظمة، عن سلسلة من الجرائم الخطيرة التي ارتكبها الجيش السوداني وميليشياته المتحالفة معه.
وجاء هذا الكشف خلال الدورة الـ60 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، المنعقدة في جنيف من 8 سبتمبر إلى 8 أكتوبر، حيث وجهت المنظمات اتهامات مباشرة بالانتهاكات الممنهجة ضد المدنيين العزل في مناطق مختلفة من السودان.
وقُدّمت هذه الاتهامات عبر 19 بياناً رسمياً، تم توزيعها على الدول الأعضاء والمشاركين، ونشرها على الموقع الرسمي للمجلس، بهدف إحاطة العالم بتفاصيل الواقع المأساوي ودعوة لتحرك عاجل لوقف الانتهاكات ومحاسبة الجناة.
وتتمتع المنظمات الست بالصفة الاستشارية الخاصة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، وتشمل: منظمة الثقافة الأفريقية الدولية، حركة الشباب المنتصر، جمعية طفل واحد حقيبة واحدة في بوركينا فاسو، جمعية الوحدة الأفريقية، منظمة التنسيقية الأفريقية لحقوق الإنسان للجيوش، ومنظمة صفر فقر في أفريقيا.
وحظيت هذه البيانات بدعم أربعة تحالفات رئيسة، هي اتحاد منظمات السودان الجديد، تحالف منظمات حقوق الإنسان السودانية، تحالف شباب المستقبل، والتحالف الأوروبي المتوسطي ضد الإفلات من العقاب.
وركزت البيانات على الانتهاكات الجسيمة التي تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مستندة إلى تقارير ميدانية مستقلة وشهادات حية من أطباء وشهود عيان. ومن أبرز الانتهاكات التي سلطت البيانات الضوء عليها، استخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة دولياً.
كما وثقت المنظمات حالات اختناق وتسمم جماعي في مدن مثل نيالا والفاشر وزالنجي، حيث أطلق الجيش قنابل غازية سامة وحارقة وعنقودية، مما أدى إلى حروق جلدية وإصابات تنفسية حادة بين المدنيين، إذ يُعتبر هذا انتهاكاً صارخاً لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية واتفاقيات جنيف، حيث روى أطباء عن استقبال حالات طوارئ تشير إلى استخدام أسلحة محرمة.
كما ركزت البيانات على القصف العشوائي والتدمير المتعمد للبنية التحتية، إذ شن الجيش وميليشياته حملات قصف ممنهجة على المستشفيات والمدارس ومقار الأمم المتحدة، بما في ذلك مكاتب اليونيسيف في الأبيض ومستودعات برنامج الأغذية العالمي في الجزيرة.
وأسفرت تلك الهجمات عن مقتل موظفين محليين ودوليين، وتعطيل عمليات الإغاثة، إضافة إلى قصف الأحياء السكنية والمخيمات، تلتها إعدامات ميدانية وتعذيب واسع النطاق، في انتهاك مباشر للقانون الدولي الإنساني.
أما العنف الجسدي والاغتصاب الجماعي، فقد وُصف كسلاح حرب منظم ضد النساء والفتيات في دارفور وكردفان وأم درمان، إذ شملت الانتهاكات الاغتصاب داخل المنازل أمام الأسر، والاستعباد الجنسي والزواج القسري، بهدف إذلال المجتمعات وتفكيك النسيج الاجتماعي.
كذلك، أبرزت البيانات ممارسات التطهير العرقي، حيث استهدف الجيش جماعات مثل الفور والزغاوة والمساليت في دارفور بإعدامات جماعية وإلقاء الجثث في العراء، مدعومة بخطاب كراهية عنصري، مما يشكل جرائم ضد الإنسانية.
وبالنسبة للأطفال والفئات الأضعف، وثقت المنظمات تجنيداً قسرياً لهم، وتدمير مئات المدارس أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية، مما حرمهم من التعليم. كما أدى تدمير المستشفيات إلى انهيار القطاع الصحي، تاركاً النساء والأطفال دون رعاية طبية أو نفسية.
أما الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري، فقد شملت خطف المواطنين وتضييقاً على الناشطين والصحفيين والمحامين، مع تعذيب واختفاء قسري للموقوفين.فيما لم تسلم المنظمات الإنسانية من الاستهداف، حيث تعرضت مكاتب الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر السوداني في دارفور لهجمات عسكرية، إضافة إلى قصف مقار أطباء بلا حدود واليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي، مما أدى إلى تعليق خدمات حيوية لمئات الآلاف.
ورأت المنظمات أن هذه الهجمات تهدف إلى إسكات المجتمع الدولي ومنع وصول الإغاثة، إذ أدى الصراع إلى أزمة نزوح هائلة، مع تهجير قسري لأكثر من 10 ملايين شخص، معظمهم نساء وأطفال، وسط حصار على المدن ومنع المساعدات، مما تسبب في مجاعات كارثية.
وشددت على أن غياب المحاسبة داخل السودان، مع ترقية ضباط متهمين بدلاً من محاكمتهم، واستخدام القضاء لقمع المعارضين، يفاقم الأزمة.
كما أكدت أن سيطرة الجيش على السلطة تقوض فرص السلام والتنمية، وأن الحل يتطلب انتقالاً سياسياً ينتهي بحكم مدني ديمقراطي.
وطرحت المنظمات مطالب محددة، مثل إنشاء آلية تحقيق دولية مستقلة، إحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية، فرض عقوبات على القيادات المتورطة، تأمين ممرات إنسانية آمنة، توفير حماية دولية للمدنيين، دعم العدالة الانتقالية، انتقال سياسي شامل، تعزيز حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، ووقف الهجمات على المرافق الحيوية.
ووجّهت المنظمات دعوة حازمة للمجتمع الدولي، محذرة من أن الصمت يعادل المشاركة في الجرائم، ومطالبة مجلس حقوق الإنسان بالتحرك الصارم لضمان العدالة والسلام في السودان.