…
كان صباح حار والشمس ترتفع متثاقله فوق بيوت الطين القديمه الهواء ساكن والأرض تتنفس بصعوبه الأشجار ثابتة لا تتحرك كأنها رسومات …
بدأت الحياة تدب داخل البيوت …
رائحة الشاي َالمقنن والقهوة تعبق بشوارع القرية …
محمود رجل ربعة القامة في العقد الرابع من عمره يستعد لحدث سنوي هام كم انتظرته القرية عام كامل حصاد التمر والموسم على المحك الجميع يخشى هطول المطر المتوقع هذا الشهر فهو يخرب المحصول والرطوبة هي العدو الاول لمثل هذا النوع من التمر الذي يزرع عندنا …
لملم محمود بعض الأشياء التي تعينه لجمع المحصول لفافة من أكياس الخيش القديمه ومشمع كبير قديم بهت لونه به بعض الثقوب كان قد ادخره من العام الماضي لمثل هذا اليوم…
نادي محمود ابنته الكبرى فاطمه واوصاها بجلب الطعام عند حضورها إلى الحقل …
ومن فوق حائط الجالوص القصير نادي عطيه الحشاش مَحمود صاحب النخل يسنعجله في الإسراع إلى الخروج لبداية عملية الحصاد
خوفا من تسرب الوقت…
في الطريق إلى الحقل كان محمود يركب على عربة كارو يجهرها حمار ابيض قوي بجانبه ابنه أحمد يتقدمهم عطية الحشاش على حماره القصير ذو الذيل المقطوع ..
وسط غابات النخل عند حقل محمود حط الركب رحالهم وربطوا حميرهم…
مجموعة من الصبية والنساء في طرف الحقل تنتظر العمل جاءوا لجمع التمر ~~
اخرج عطية الحشاش علبة التمباك ونقر عليها بكوعه وفتحها وكور سفه معتبره تحت شفته السفلي ثم ربط اكمام قميصه الممزق بسرحة من العرجون خلف رقبته ليحرر يديه وتمنطق بأخرى وغرس خلف ظهره المنجل الطويل المعكوف ثم سمي الله بصوت مسموع وبدأ في الصعود إلى أعلى النخلة ووصل إلى الصف الأول من جريد النخل اليابس وانتزع منه ثلاثة جرائد وبحركة لولبيه نفذ إلى أعلى النخلة قائما فوق جريدها الاخضر المنهدل فوق هامتها َممسكا بحزمه من جريد القلب…
رياح شمالية تنفد من خلال غابة النخل وتتلاعب بجريد النخلة القائمة بكبرياء كانها تتحدى الزمن..
اختار عطية الحشاش سبيطه كبيرة وقطعها ورمي بها بعيدا في مكان مكشوف… فهي ثمثل نصيبه المتفق عليه من تلقيح النخل ..
نهض الصبي الصغير الذي يعمل معه وبدأ في جمعها ..
كان لصوت المنجل الذي يعمل لقطع السبيط خشخشة تتحول إلى صوت مكتوم عند ارتطامها بالارض يسمع على بعد ساقيتين… السبيط ثقيل عامر بحبات البلح يبدو أن المحصول جيدا هذا العام _
وعطية الحشاش يعمل بجد لا يكاد ينزل من نخله حتى يصعد فوق أخرى يسابق الزمن والنهار ينتصف والشمس لا ترحم تصب اشععتها بين أشجار النخيل وتحول المكان الي جحيم لا يطاق…
النمل الصغير يفعل فعلته بأجساد العاملين في جمع البلح… وتبلغ الروح الحلقوم ويغشي الناس العطش والجوع…
تظهر فاطمه ابنة محمود وهي تحمل أواني الفطور…
ينادي محمود صاحب الحقل على الجميع أن يتوقفوا لتناول الإفطار.. ويتنفس الجميع الصعداء..
كان العطش قد فعل فعلته الحاضرين ..
بعدها طعموا كلهم واشربوا الماء ثم الشاي الذي قد صنع في المحل نفسه تحت نخلة وافرة الظل…
وبعدها استمر العمل في حقل محمود حتى توقف نهائيا عقب صلاة العصر وقد كان محمود قد قسم العاملين معه إلى مجموعات…
مجموعه لجمع حبات التمر التي تطايرت بعيدا.. وثانية تجمع سبيط التمر في كومه واحده لفصله عن العرجون… وأخرى تفتح اكياس التمر لتعبيتها وتخيط افواهها بسرح من عرجون النخل .. اما أحمد الابن الأكبر لمحمود كان عليه نقل اكياس التمر إلى البيت لفرز أنواعها ووضعها في أكوام لتجف تحت أشعة الشمس..
بعد الانتهاء من عملية حش التمر يعطي محمود كل عامل نصيبه المتفق عليه كيلة أو اثنتان من التمر الجيد كما للمحتاجين الذين يتعاقبوا على حقل محمود نصيب صدقه وكرامة وسلامه ~~
كان لموسم حصاد التمر إيقاع خاص ونحن صغار لأنه يعد من أجمل مواسمنا التي ننتظرها فهو موسم طويل وممتع يبدأ بظهور التمر الأخضر (الدقيق) وبه نصنع السبح وناكلها ثم يأتي موسم الرطب… ثم بداية عمليه نضج التمر يبدأ جمع تمر الهبوب وجني المال فهو التمر الذي تسقطه الرياح قبل الحصاد وهو متاح غير ممنوع للصبية ثم يأتي حش التمر وجمعه ولنا وللعاملين والمحتاجين فيه نصيب وحتى السارق ثم تأتي المرحلة الاخيره بعد نهاية الحش بما يسمى (الكشيق) وهو جمع التمر المحشور بين أعقاب الجريد اليابس وبين الحشاش وفيه فائدة عظيمه..
كان ألاجداد والاباء عندما يغرسون نخله لهم قول ودعاء مشهور فهم يقولون
( بسم الله للغاشي والماشي وللسائل والشحاد والسارق)
يا سبحان الله هؤلاء هم الأجداد والآباء حتى السارق يخصوه بنصيب يحولون مما سرق صدقه جاريه والطير ايضا نصيب مما يلتقط…
اما الان وفي هذا الزمن قد تغير طعم الموسم فمعظم الناس يبيعون تمرهم للتجار ويحرمون انفسهم من بركة الصدقه متناسين بأن لا يقل مال من صدقه حتى الذكاة نسيتها البعض (أتوا حقه يوم حصاده) فغابت البركة…
نسأل الله السلامة والعافية للجميع وفي الختام…… [ تحضروه داير ]
دعواتكم ~-____________