في مشهد اعتيادي، كان ناظر قبيلة المجانين سليمان جابر و الحاج عبيد القيادي بالتجمع الاتحادي في ولاية شمال كردفان السودانية، وعدد من أعضاء الإدارة الأهلي، مجتمعين، كأي قيادات أهلية، تبحث تحسين ظروف أوضاع مجتمعاتها، خلال الحرب المستمرة منذ منتصف إبريل 2023.
وكان ينتظر من الاجتماع الذي انعقد فيمنطقة المزروب شمال كردفان، أن تصدر قرارات تمسّ بشكل مباشر من حياة المواطنين، المنهكين بسبب تداعيات الحرب، في ظل انتشار الأوبئة المجاعة في أغلب مناطق السودان.
وعلى حين غفلة، استهدفت غارة جوية، مكان الاجتماع، وأسفرت عن مقتل القيادات الأهلية، وعدد من المدنيين الأبرياء. وأفادت وسائل إعلامية سودانية، بأن الغارة كانت تستهف ناظر قبيلة حمر وأعيان الإدارة الأهلية في مدينة النهود.
وحمّل ناشطون سودانيون بالمنطقة، مسؤولية الهجوم لطيران الجيش السوداني، الذي أصبح يعتمد على الغارات العشوائية بشكل مكثف خلال الفترة الأخيرة.
سقوط عشرات الضحايا
وقال تحالف السودان التأسيسي ( تأسيس)، إن ” جيش الحركة الإسلامية الإرهابي شن هجوماً بطائرة مسيّرة على تجمعات مدنية في منطقة المزروب بولاية شمال كردفان التي تسيطر عليها قوات (تأسيس) ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا، بينهم ناظر قبيلة المجانين وعدد من القيادات الأهلية للقبيلة، في تكرارٍ متعمّدٍ لاستهداف المدنيين.”
وأدان في بيان رسمي 17 أكتوبر، “بأشد العبارات هذا الاستهداف الغادر، فإنه ينعى ببالغ الحزن والأسى ناظر قبيلة المجانين ورفاقه الشهداء من قادة القبيلة وعدداً من المواطنين الذين ارتقوا جراء هذا الاعتداء الجبان، الذي يضاف إلى سجل الانتهاكات التي يرتكبها جيش الإرهابيين بقيادة مجموعة بورتسودان الانقلابية.”
وحمّل قادة “التنظيم الإسلاموي والجيش المختطف مسؤولية الجرائم المتكرّرة ضد الأبرياء والعزّل في كردفان ودارفور.” وطالب “المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والهيئات المعنية بحقوق الإنسان بتحمّل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، وإدانة هذه المجازر المروّعة، واتخاذ خطوات عاجلة لوقف الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين، في خرقٍ واضحٍ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.”
ومن جهة أخرى، أدان المرصد السوداني الوطني لحقوق الإنسان، “بأشد العبارات استهداف المدنيين.” وطالب “الطيران الحربي باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين والتوقف الفوري عن استهداف المواطنين الأبرياء، وعن تدمير البنية التحتية والمؤسسات الخدمية، احترامًا للقوانين الدولية والإنسانية التي تجرّم استهداف السكان في أوقات النزاع.”
وقال في بيان مقتضب: “لقد فقد الوطن واحدًا من رموزه الاجتماعية التي عُرفت بالحكمة والسعي للإصلاح، وبهذا المصاب الجلل يتقدم المرصد بأحر التعازي إلى أهل الفقيد وقبيلة المجانين كافة، سائلين الله أن يتغمدهم بواسع رحمته وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان.”
إدانة شعبية
وأدان السودانيون الهجوم الذي وصفوه “بالغادر”، وحمّلوا قائد الجيش في بورتسودان عبد الفتاح البرهان، مسؤولية الهجوم، مشددين على ضرورة تأمين حياة المدنيين العزل.
وضمن أبرز ردود الفعل، أدان تحالف “صمود” بأشد العبارات عملية اغتيال قيادات الإدارات الأهلية لقبيلة المجانين بمنطقة المزروب، بواسطة مسيرة تتبع للقوات المسلحة.
ودعا التحالف في بيان، إلى الالتزام بالتهدئة والاحتكام إلى صوت العقل والقبول فورًا بالهدنة الإنسانية، التي جاءت في بيان الرباعية، والانخراط في عملية تفاوضية تضع ترتيبات لإيقاف وإنهاء الحرب.
ومن جهة أخرى أدان حزب الأمة القومي ذات الهجوم، واعتبره“فعلا عدوانيا شنيعا” يستهدف المدنيين الأبرياء والقيادات المجتمعية، ويشكل انتهاكًا واضحًا للقانون الإنساني الدولي، كما اعتبره تصعيدًا خطيرًا يهدد السلم الأهلي ويقوّض وحدة النسيج الاجتماعي في البلاد.
وأكد في بيان، أهمية الدور التاريخي للإدارة الأهلية في السودان، واعتبر إياها صمام أمان للمجتمعات المحلية، ومصدرًا للحكمة في أوقات الأزمات. وقال إن “الناظر سليمان جابر ورجالات الإدارة الأهلية الذين قضوا في الهجوم كانوا مثالًا للقيادة المجتمعية الرشيدة، حيث عملوا بتفانٍ من أجل استقرار مجتمعاتهم، وسعوا جاهدين للحفاظ على التعايش والسلم الاجتماعي، حتى ارتقوا شهداء وهم يؤدون واجبهم الوطني والإنساني في ظروف بالغة التعقيد.”
مجزرة في الكومة
وجاء هذا الهجوم، بعد أسبوع من مجزرة أخرى مروعة، شنها طيران الجيش في بورتسودان، على مدينة الكومة، الواقعة على بعد نحو 78 كيلومترًا شرق مدينة الفاشر في شمال دارفور.
ووقع الهجوم، أثناء انعقاد اجتماع محلي كان يناقش قضية اجتماعية داخل المدينة، في وقت تشهد فيه المنطقة تصاعدًا في وتيرة العمليات العسكرية.
وأسفرت الغارة، عن سقوط 16 قتيلًا وسبعة مصابين. وقال قيادي محلي، حلّقت في سماء المدينة صباح السبت، قبل أن تطلق وابلًا من الصواريخ باتجاه تجمع أهلي كان يعمل على معالجة قضية محلية. وأكد أن القصف أدى إلى سقوط 16 قتيلًا وسبعة جرحى، جميعهم من المدنيين الذين كانوا يشاركون في الاجتماع.
وأشار في تصريح إلى أن الطائرة نفذت غارة ثانية “على الموقع ذاته بعد دقائق من الضربة الأولى، لكنها لم تسفر عن إصابات إضافية. هذا التصعيد الجوي أثار حالة من الذعر في أوساط السكان، الذين باتوا يخشون استهداف التجمعات.”
وحمّل القيادي مسؤولية الهجوم، لجيش بورتسودان، وطالب بضرورة حماية المدنيين، ووجّه نداءً عاجلًا إلى المنظمات الدولية والحقوقية، للتدخل الفوري لوقف استهداف المنشآت المدنية والسكان الآمنين في مدينة الكومة والمناطق المجاورة.
مآس مستمرة
وما تزال معاناة المدنيين في السودان مستمرة، فمع المسيرات الأجنبية التي تستهدف تجمعاتهم من حين لآخر، أصبح المقاتلون الأجانب، يفاقمون من معاناتهم من حين لآخر.
وفي هذا السياق، تتحدث الخمسينية عائشة بعدما تمكنت من الفرار، عن تجربة مأساوية، حين اقتح مسلحون أجانب حيها في مدينة نيالا بدارفور، يتحدثون بلغة إسبانية.
وقالت في تصريح: “عندما دخلت قوات الجيش منطقتنا، لم يكن الأمر طبيعيًا. سمعت أصواتًا بلغات لم أفهمها، لكن كلمة واحدة ظلت تتردد: كولومبيا… كولومبيا. رأيت رجلًا ضخم الجثة يرتدي زيًا عسكريًا عليه رقعة صفراء وزرقاء وحمراء. عندها أدركت أننا نواجه مقاتلين أجانب.” وأشارت إلى أن أطفالها كانوا مرعوبين ” لم نعد نشعر وكأننا محاطون بجيش سوداني، بل بغرباء قدموا من بعيد.”
في غضون ذلك، نشر موقع in depth reports، تحقيقا عن اعتماد الجيش في بورتسودان، على مرتزقة أجانب عبر شبكة سرية تُجنّد جنودًا كولومبيين متقاعدين للمشاركة في حرب السودان. تم جلبهم بوعود كاذبة بوظائف أمنية.
وشهدت ظاهرة المرتزقة، أو المقاولين العسكريين بحسب التحقيق، طفرةً لافتةً خلال العقدين الماضيين، حيث تطورت من حالات فردية متفرقة إلى صناعة عابرة للحدود تُنتج جيوشًا مساعدة أو وحدات صغيرة تُنفذ مهام قتالية وأمنية دقيقة. وفي قلب هذا الصعود، برزت كولومبيا كواحدة من أهم المستودعات البشرية التي تُغذي هذه السوق العالمية.
اعتمد الجيش على المرتزقة الأجانب، بعدما خسر آلاف الجنود بحسب التحقيق. ومع تفاقم الإرهاق بعد سنوات من الحروب الأهلية، أصبحت المؤسسة العسكرية عاجزة عن الحفاظ على زخمها الميداني.