*حين غادرت القوات… دخلت الذئاب: القصة الكاملة لعودة المليشيا إلى كردفان كردفان… الأرض التي تحررت بلا حراسة، والباب الذي تُرك مفتوحًا حتى عاد القتلة*

تحقيق: آفاق أحمد محمد

لم تكن مأساة كردفان مجرد فصل من فصول حرب طويلة، ولا مجرد صراع عابر في خارطة النزاعات السودانية.
إنها فضيحة كاملة للدولة، ووصمة على جبين قيادتها العسكرية، وإدانة صارخة لمنظومة إدارة المناطق المحررة التي يبدو أنها تتقن التحرير، لكنها لا تعرف معنى حماية المدنيين بعده.
في كل قرية وكل بلدة تحررت، شهدنا دماء الجنود تتخلل التراب، وقوات تقاتل وتنتصر، لكن دون أن تترك خلفها حراسة أو خطة استدامة للسيطرة.
النتيجة كانت مأساوية: فراغ أمني كامل، بيوت مفتوحة، طرق جانبية غير مراقبة، وحركة المليشيا التي تعود كالذئاب لتفتك بما تركه الجنود، لتعيد الرعب إلى نفس المدنيين الذين فروا قبل أيام.
التحرير يتحوّل إذن إلى لقطة إعلامية بلا قيمة حقيقية، نصر مؤقت، وأمل يُستنزف بسرعة أكبر من سقوط المطر.هذا التحقيق ليس للمديح أو التسامح.
ليس لإرضاء أي قائد أو تلميع صورة أي مؤسسة.
بل هو ضربة صاعقة على الجرح الذي حاول كثيرون تغطيته، على الانهيار الاستراتيجي الذي يكاد ينسف أي معنى للتحرير نفسه.
نحن هنا لنسأل الأسئلة الكبيرة، الغاضبة، والموجعة:
من الذي ترك كردفان بلا حماية بعد أن استعادها الجيش؟
من الذي أعطى المليشيا فرصة لإعادة جحيمها على المدنيين من جديد؟
لماذا يستمر العدو في الحصول على ما لم يكن يحلم به، بينما من يفترض أنهم الحماة يتركون الأرض مكشوفة، والناس في مواجهة الموت والنهب والخوف؟
كردفان تحرّرت… لكن بلا حراسة. تحرّرت ثم تُركت كبيتٍ بلا أبواب، كمدينةٍ أُطفئت أنوارها عمدًا كي يتسلل إليها الخوف مرة أخرى. وفي اللحظة التي بدأ فيها الناجون يحزمون أشلاء ذكرياتهم للعودة، انقضّت المليشيا كذئاب تعرف الطريق جيدًا، وتعرف أن أحدًا لن يوقفها، لأن أحدًا لم يبقَ أصلاً.إن ما جرى في كردفان ليس إخفاقًا… بل جريمة إدارة.
ليس خطأ في الحسابات… بل ثغرة مفتوحة أُبقيت عمدًا أو إهمالًا.
وما لم يُكشف الآن، سيصبح جزءًا من سلسلة أخطاء قاتلة يتكرر فيها السيناريو: تحرير بلا تثبيت، انتصار بلا انسحاب، ودماء تُهدر لأن أحدًا لم يتساءل: “وماذا بعد التحرير؟ ومن سيحرسه؟”
ن يحاول أن يفهم ما لا يريد كثيرون الاعتراف به:
أن الحرب ليست في الجبهات فقط، بل في مكاتب القرارات التي تُتخذ بلا بصيرة؛
أن المقاتلين الذين حرروا الأرض لا يمكن أن يحموا ظلالهم إذا كانت الإدارة غائبة؛
وأن كردفان لم تُخذل من الميدان… بل من الذين جلسوا بعيدًا، وقرروا أن التحرير مجرد خبر عاجل، لا مسؤولية مستمرة.
هنا تبدأ الحكاية…
حكاية تحرير بلا حماية، وعودة قاتل لم يكن يحلم يومًا أن يُفتح له الباب مرة أخرى.

تحرير… ثم انسحاب… ثم صمت يسبق الذبح

في جنوب وشمال كردفان، تتكرر المأساة بنسخة واحدة، متكررة بشكل يثير الغضب والذهول:
الجيش يدخل، القرى تتحرر، الأهالي يرفعون الراية فرحين، الأطفال يخرجون من مخابئهم، النساء يتنفسن الصعداء، والرجال يرفعون أكف الدعاء.
لكن سرعان ما يتحول الفرح إلى صورة زائفة للنصر، حين يبدأ الجنود في الانسحاب، أو يقل عدد القوات بشكل يترك فجوات خطيرة في السيطرة. وكلمة “إعادة التموضع” تصبح غطاءً رسميًا لما هو في الواقع ترك كامل للأرض مكشوفة.
وبعد ذلك، يبدأ الليل في التحول إلى وحش لا يعرف الرحمة:
طرقات بلا نقاط تأمين، مداخل بلا رقابة، طرق جانبية لم تضع عليها أي قوة، قرى بلا حماية، وأرواح المدنيين معلقة على خيط رفيع بين التحرير والموت.
وحده الهواء يعرف أن شيئًا سيئًا قادم… وحده الليل يهمس بالتحذير للذين بقوا بعد الانسحاب.
تستغل المليشيا هذا الفراغ ببراعة شيطانية، تراقب من بعيد، تدرس التوقيت، تنتظر اللحظة التي يكون فيها المدنيون بلا سند، ثم تندفع عرباتها بسرعة الصاعقة، كأنها سيل جريمة بلا رادع، بلا قانون، بلا إنسانية.

كيف تعود المليشيا…

كيف تعود المليشيا؟… تعود لأن أحدًا سمح لها أن تعود ولأن الأرض تُركت بلا صاحب ولأن القرى حُرّرت ثم تُركت كغنيمة في يد القتلة في اللحظة التي انسحبت فيها القوات النظامية من المناطق المحررة في كردفان كانت المليشيا تراقب المشهد كصياد يعرف جيدًا متى يتحرك ومتى ينتظر وفق شهادات ميدانية متطابقة من سكان القرى ومقاتلين محليين وشهود رصد فإن عملية العودة لم تكن عشوائية بل تمت وفق خطة مدروسة سريعة ومرتبة بدقة مرعبة ليست حرب مواجهة بل حرب التفاف حرب ظلال تستغل الفراغ قبل الضوء ما أن تتحرك آخر عربة عسكرية خارج القرى حتى تبدأ أعين المليشيا في العمل عيون محلية زرعت مسبقًا دراجات نارية تتسلل بلا ضجيج شباب يتابعون تحركات القوات دون أن يثيروا الشك يتم تبادل المعلومات بينهم بسرعة الهدف تأكيد أن المنطقة أصبحت مكشوفة تمامًا لم يمر نصف ساعة على خروج الجيش وشاهدنا دراجة نارية تمر على أطراف القرية كأنها تتأكد من أن المكان أصبح بلا حامي المليشيا لا تستخدم الطرق الرئيسية تعرف أن تلك الطرق قد تكون مراقبة أو مكشوفة للطيران لذلك تتحرك عبر مسارات يعرفها الرعاة طرق صغيرة وسط الحشائش خطوط تستخدمها العربات الخفيفة ومسارات لا يمكن رصدها إلا إذا وُضعت نقاط متقدمة هذه الطرق هي ثغرة مفتوحة يعرفها السكان جيدًا لكن لم تتم تغطيتها عسكريًا وتستغلها المليشيا للاقتراب دون أن يسمع أحد صوت محرك واحد هم لا يأتون عبر الطريق المعروف يأتون من الوديان الصغيرة من المسارات التي يعرفها الرعاة يدخلون القرية من جهات لا يتوقعها أحد
عندما تتأكد المليشيا أن المنطقة خالية تبدأ المرحلة الأخطر هجوم ليلي خاطف سريع محدد الهدف بلا مقدمات الوقت المفضل لديهم من التاسعة مساءً إلى ما قبل الفجر تنقسم قواتهم إلى مجموعات صغيرة مجموعة اقتحام مجموعة للنهب مجموعة للبحث عن الأشخاص المطلوبين مجموعة لتأمين الانسحاب الهجوم ليس بهدف السيطرة بل لإرسال رسالة وحرق ما تبقى من حياة اختطاف ضرب نهب إرعاب ثم حرق المنازل أو المحال التجارية لقتل فكرة العودة كانوا يدخلون ثم يخرجون خلال ساعة كأن لديهم قائمة جاهزةلا تبقى المليشيا طويلًا هي لا تريد الاشتباك مع قوة نظامية قد تعود تنفذ ما تريد وتنسحب داخل العتمة بنفس سرعة دخولها عبر ذات المسارات الجانبية وتترك خلفها قرية محطمة أهل مرعوبون دم على العتبات ورائحة الخوف تغطي المكان أكثر من دخان الحريق هذه ليست حرب مواجهة إنها حرب التفاف المعلومات التي جمعها التحقيق تثبت شيئًا واحدًا المليشيا لا تبحث عن انتصارات ميدانية كبيرة بل عن ثغرات صغيرة هي تقاتل عبر سرعة الحركة التفاف الطرق الرصد البشري استغلال الانسحابات الضرب في اللحظة التي ينام فيها الجميع ولو كانت المناطق المحررة قد حُميت بقوات ثابتة دوريات ليلية أو نقاط استطلاع أمامية لما تمكنت المليشيا من العودة ولو ليوم واحد

……أخطاء القيادة بعد التحرير… من يتحمل المسؤولية؟

بعد تحرير القرى والمدن في كردفان كان من المفترض أن يبدأ الفصل الحقيقي من النصر وهو تأمين المدنيين وحماية حياتهم وممتلكاتهم لكن ما حدث كان صادمًا ومخزيًا القيادة العليا تعاملت مع التحرير وكأنه حدث رمزي على الورق فقط وكأن رفع الرايات على المباني يكفي لإغلاق ملف طويل من المعاناة لم يتم وضع أي خطط واضحة لتأمين الطرق لم تُنشر دوريات لحماية الأهالي ولم تُستحدث نقاط مراقبة أساسية لتكون عيونًا لكل حركة مريبة وتُركت القرى بلا أي تأمين أمام من يريد اقتحامها هذا الإهمال كان نتيجة غياب التخطيط الإداري والفشل في إدارة المناطق المحررة وفشل التواصل بين المسؤولين وقيادات الإدارة المحلية وأصبح المدنيون يتساءلون من يحميهم ومن يقف في وجه الخطرالأخطاء لم تكن في التنفيذ فقط بل في غرف القيادة حيث تُتخذ القرارات دون معرفة حقيقية للواقع على الأرض أو تقدير المخاطر بواقعية لقد تم تقليص الحماية بحجة “إعادة التنظيم ” بينما ترك الأهالي بلا دعم أو رادع وأصبح العدو يعرف كل ثغرة وكل زاوية يمكن أن يستغلها ولأن من يفترض أنهم المسؤولون عن حماية المدنيين غابوا فقد تُركت القرى بلا سند والأهالي بين رعب الموت وفقدان الأمان
المسؤولية هنا نظامية وليست شخصية القيادة فشلت في ربط التحرير بمهمة تأمين المدنيين وفشلوا في فرض نظام حماية مستدام بعد رفع الرايات وتركوا الفوضى تكبر ويزداد الخطر مع كل ساعة تمر بدون حماية وتتحمل القيادة مسؤولية كل اختطاف وكل نهب وكل حرق وكل جرح وكل دم أريق بسبب هذا الفراغ الأمني القرارات التي تُتخذ بلا رؤية واضحة لتحركات المدنيين ومسؤوليات الحماية هي قرارات قاتلة ولا عذر لها كل انسحاب بلا حماية هو دعوة مفتوحة لكل من يريد العودة وتدمير ما تم تحقيقه
هذا ليس نقدًا مجردًا بل صرخة في وجه من قرروا أن التحرير مجرد حدث إعلامي وأن النصر لا يحتاج إلى تثبيت أن أخطاء القيادة بعد التحرير كلفت المدنيين حياتهم وأمانهم وأن أي إخفاق في حماية الأهالي بعد النصر هو جريمة في حق من دفعوا الدم ليتم تحرير الأرض وبدون إصلاح هذه الأخطاء ستظل كل عملية تحرير مجرد لقطة زائفة تتحول إلى مأساة تُعيد التاريخ نفسه مرة بعد أخرى

…..شهادات ناجين من لهيب كردفان: حين يتحرر النهار… ويعود الليل لينتقم

لم يكن الناجون بحاجة إلى خرائط أو تقارير لفهم ما يحدث كانوا يرونه بأعينهم ويسمعونه في صراخ الأطفال ليلًا ويرونه في أعمدة الدخان التي ترتفع من بعيد التحرير بالنسبة لهم لم يكن نشيدًا أو بيانًا بل نافذة هواء يتنفسون منها قبل أن تغلقها المليشيا مرة أخرى بيدها الثقيلة
التحرر الأول كان صباحًا شعور بالفرح انتشار الناس في الشوارع رفعوا الأعلام الأطفال غنوا النساء خرجن من مخابئهن لكن بعد أيام قليلة بدأوا يسمعون خفوت حركة القوات التي جاءت لتحريرهم وأصبح الفراغ الأمني يحيط بهم من كل جانب لم يفهم المدنيون سبب الانسحاب التدريجي ولم يُشرح لهم شيء كل ما أدركوه لاحقًا هو أن هذا الفراغ كان وعدًا للموت بعودة المليشيا
القتلة لم يأتوا عبر الطرق الرئيسية بل عبر المسارات الصغيرة والخفية التي يعرفها الرعاة والعابرون كانوا يتحركون بلا ضجيج يراقبون كل زاوية كل بيت وكل درب لم يكن هناك رادع ولا نقطة مراقبة اقتحموا البيوت واحدًا واحدًا بحثًا عن من شارك في لحظة الفرح والاحتفال حتى الأطفال لم يسلموا من التهديدالهجوم لم يكن لاستعادة الأرض بل لاستعادة الإهانة كان الانتقام هو الهدف كل بيت أُخذت منه صورة أو ذكر في الاحتفال كان هدفًا للنهب أو الحرق أو الخطف كانوا ينهبون المزارع والمحلات التجارية يقتحمون البيوت يختطفون الرجال والشباب ويقتادونهم إلى وجهات مجهولة يعذبونهم جسديًا ويهددون أسرهم بالقتل كانت النساء والفتيات يتعرضن للاغتصاب والتهديد والاستغلال الجنسي كانت الممتلكات تُحرق والمواشي تُقتل كانت المدارس والمساجد والمحلات تُهدم لتذكير المدنيين بأن التحرير مؤقت وأن الفوضى والدم هي القانون الجديد
المدنيون لم يكن لديهم شيء سوى الانتظار والترقب بدون حماية بلا سند كل ليلة تتحول إلى اختبار للرعب كل صباح إلى جولة جديدة من الخوف كل لحظة يقضونها بين التحرير والفراغ الأمني تجعلهم يعيشون حياة مشوهة تحرر نهارًا فزع مساءً انتقام ليلًا وبكاء عند الفجر

الحياة صارت متقطعة بين فرحة قصيرة ورعب طويل بين لحظة أمل ولحظة سقوط في قبضة الموت كان التحرير مجرد مشهد إعلامي بينما الواقع هو استمرار سلسلة المعاناة والتهديد المستمر والدمار الذي يتركه الغزاة خلفهم رسالة واضحة لكل من جرؤ على الاحتفال أو العودة إلى بيته أن الانتقام سيطال كل من يقف في وجههم وأن الخوف سيصبح جزءًا من كل يوم من حياتهم

…دماء على تراب كردفان: الانتقام بعد التحرير

الحاج محمد، رجل مسن تجاوز الخامسة والسبعين، عاش كل حياته بين الأرض والحقول والبهائم لكنه لم يكن مستعدًا لما حدث له بعد التحرير الأخير في قريته شهد المأساة بعينيه بوحشية لم يعرفها من قبل قتلتهم المليشيا أعدمت اثنين من أبنائه أمام عينيه كأنها تريد أن تسلبه ما تبقى من روحه قبل أن تسلبه بيته أطلقت النار عليهم بلا خوف ولا حياء جعلت دماءهم تسيل على تراب عاشوا فوقه سنوات عمرهم وكأن قتلهم كان مجرد إعلان عودة وانتقام لما بعد التحرير اغتصبت بناته وأجبره على الفرار وحيدًا يحمل قلبًا محروقًا وعينًا على ما تبقى من بيته

كان يرى القرية تتحرر صباحًا يفرح الناس يرفعون الأعلام الأطفال يصرخون بالفرح لكنه لم يلبث أن شعر بالفراغ يحيط بالقرية اختفت القوات تدريجيًا تاركة الأهالي بلا حماية بلا سند وكان يعلم أن هذا الفراغ لن يبقى طويلًا وأن من رحلوا عن الأرض تركوا الباب مفتوحًا للذئاب

الانتهاكات التي شهدها كانت أشد من أن تحكيها الكلمات قتل ونهب وخطف واغتصاب تهديد مستمر كل بيت يفتحونه يصبح مسرحًا للرعب كل من بقي في القرية أو عاد إليها بعد التحرير يصبح هدفًا مباشرًا للثأر وللعقاب بلا سبب سوى فرحة لم يستطع أحد أن يمنعها يختتم الحاج محمد حديثه وهو يرتجف: الفراغ بعد التحرير هو سبب كل ما حصل الانسحاب ترك الأرض بلا حراسة والمليشيا استغلت ذلك لتعيد الخوف وتزرع الدم مرة أخرى في القرى المحررة والضحايا من المدنيين العزل يدفعون ثمن كل ساعة من غياب الحماية كل لحظة من الفراغ الأمني كانت بمثابة دعوة مفتوحة للانتقام بلا رحمة

……المليشيا… وحش بلا خجل ولا شرف حرب

ما يجرى في كردفان يكشف حقيقة واحدة لا تقبل التجميل: هذه المليشيا لا تملك أخلاق حرب، ولا تملك حتى بقايا إنسانية يمكن أن تُستدعى للعفو أو الرأفة. هي قوة لا تعرف سوى الانتقام، تعود للمدن المحررة كذئب جائع، لا بحثًا عن مواجهة ولا قتال، بل بحثًا عن المدنيين العزل… عن كبار السن الذين لا يقوون على الهرب… عن النساء اللواتي لا حول لهن ولا قوة… عن الأطفال الذين لا يفهمون لماذا يتحول الليل إلى مقصلة.

المليشيا حين تعود لا تعود كجيش، ولا كقوة قتالية، بل كجائحة بشرية مهمتها أن تحرق وتنهب وتغتصب وتقتل. تفعل ذلك وكأنها تطبق عقيدة إجرامية مكتوبة بدم الضحايا. لا قانون يردعها، ولا قيم تمنعها، ولا شرف سلاح يوقف يدها المرتجفة من الفجور.

ولأنها مليشيا وضيعة بلا مبادئ، فهي لا تواجه جنديًا مدججًا بسلاحه، بل تتسلل ليلًا لتكسر أبواب البيوت، تقتل من تجد، وتغتصب من تستطيع، وتنثر الموت كغبار أسود فوق القرى. هكذا ينتقمون من شعب لم يحمل ضدهم إلا صموده.
وكردفان — التي خانها الانسحاب في لحظة ضعف — دفعت الثمن الأكبر، إذ تُرك أهلها وحدهم أمام ذئاب بشرية لا تعرف غير الدم. الحاج محمد تجاوز الخامسة والسبعين، رأى أبناءه يُقتلون أمامه، وبناته يُغتصبن، وبيته يُسحق، فقط لأن المليشيا تعود لتنتقم… لا لشيء، فقط لأنها بلا أخلاق، بلا ضمير، بلا شرف حرب.

وهنا الحقيقة التي يجب أن تُقال بلا خوف:
لا يمكن أن يكون هناك تحرير حقيقي طالما هذه المليشيا قادرة على العودة، طالما هذا الوحش يتحرك بلا رادع، طالما الدم يُراق ثم يراق ثم يراق، بلا نهاية.

هذه ليست حربًا… هذا إذلال متعمد للشعب.
وهذه ليست قوة عسكرية… هذه عصابة متوحشة خرجت من تحت ركام الشر.
ولا سلام سيأتي ما دام القتلة قادرين على العودة كلما غابت الحماية، وما دام المدنيون يُتركون وحيدين في مواجهة آلة لا تعرف سوى لغة الوحشية.

كردفان صرخت… والصرخة الآن في وجه الجميع:
إما أن تُقطع يد المليشيا، أو سيُقطع مستقبل هذا البلد إلى الأبد.

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole