قبل يومين خرج قائد مليشيا الدعم السريع ليعلن استعداده لهدنة إنسانية في اليوم التالي لخطاب الرئيس البرهان الذي رفض فيه مقترح المبعوث الأمريكي مسعد بولس، هذا ليس تفصيلاً عابراً فالتوقيت نفسه يحمل دلالة. هنا ليس المهم ما قيل، بل متى قيل ولماذا قيل الآن.
ما الذي يوحي بأن الإعلان أقرب للمناورة منه لالتزام حقيقي؟ أول ما يجب النظر إليه هو السياق الميداني. أي هدنة إنسانية لها متطلبات تمهيدية لا يمكن تجاوزها تتمثل في وقف إطلاق نار موثّق ومعلن ولا يكفي بيان سياسي. يجب أن يكون هناك ترتيب فني مكتوب يحدّد النقاط الساخنة، مناطق الفصل، آليات الاتصال، خطوط التراجع، وضوابط تحريك القوات، ضمان حرية الحركة للقوافل الطبية والإنسانية وهذا يتطلب خرائط واضحة، ممرات آمنة، وتفكيك نقاط التمركز التي قد تعيق العبور. ناهيك عن عدم وضوح هذه النقاط في الإعلان الترويجي للمجرم قائد المليشيا فإن الدعم السريع لم يلتزم بهذه الإجراءات في هدَن سابقة وهذا سجلّ لا يمكن تجاهله.
أي هدنة تحتاج بعثة ذات ولاية واضحة، وضباط ارتباط منتشرين داخل السودان، وسلطة لفرض قواعد الاشتباك. وهذه الآلية لا تُنشأ ببيان سياسي وإنما بقرار دولي أو اتفاق مُلزِم. كما إن تجفيف مصادر الإمداد اللوجستي وهذه نقطة حساسة، لا يمكن لأي هدنة أن تكون ذات قيمة بينما خطوط إدخال السلاح والذخيرة والمرتزقة مفتوحة عبر تشاد وليبيا وجنوب السودان فالقانون الدولي الإنساني واضح في هذا الجانب، المادة 1 من اتفاقيات جنيف تُلزم أطراف النزاع والدول الداعمة لها باحترام الاتفاقيات وضمان احترامها. هذا يشمل وقف أي إمداد يمكن أن يطيل أمد الحرب.
قرار مجلس الأمن 1373 (2001) يمنع أي دعم مادي لجماعات مسلحة غير حكومية في النزاعات الداخلية.
طالما لم تُعلن هذه الدول عن إغلاق الحدود أمام خطوط الإمداد، يبقى إعلان الهدنة خطوة انتقائية لا تغير في الواقع الميداني شيئاً.
هنا يظهر أن إعلان حميدتي لا يتضمن الخطوات التي تجعل الهدنة قابلة للحياة. وهذا ما يجعل التوقيت نفسه مثيراً للريبة. الإعلان جاء بعد خطاب البرهان الذي رفض مقترح مسعد بولس، وبالتالي ظهر بيان حميدتي كأنه محاولة لالتقاط اللحظة وتقديم نفسه في صورة الطرف الأكثر مرونة.
هذا النوع من الخطاب السياسي ليس جديداً عليه. هو يستخدم لغة الهدنة كأداة ضغط دولي، لا كمدخل حقيقي لخفض التصعيد.
من جهة أخرى رحب المؤتمر السوداني باعلان حميدتي حول قبوله بالهدنة. والملاحظ ان خطاب حزب المؤتمر السوداني لطالما ظهر متناغماً مع فكرة الترتيب السياسي قبل الترتيب الأمني، وهو طرح يتناغم مع طرح المليشيا ودولة العدوان الإمارات وتستفيد منه مليشيا الدعم السريع لأنه يخفف الضغط العسكري عنها ويعيدها لطاولة السياسة من دون شروط قاسية. ويتناغم معه أيضا بيان حزب الأمة القومي الذي اتجه إلى دعم فكرة التهدئة، هذه الأحزاب لم تهتم بابجديات اجراءات الهدنة في مراجعة خطوط الإمداد أو وقف التجنيد، وهو ما يخلق انطباعاً بأن الهدنة تُستخدم كعازل سياسي وليس كخطوة لحماية المدنيين.
الربط الذي يقدمه البعض بين هذه المواقف وبين تأثيرات إقليمية مثل الإمارات ضمن دائرة الاتهام السياسي له ما يدعمه من خلال مواقف هذه الأحزاب غير المسؤولة والتي لا تمتلك رؤية. فوجود خط سياسي إقليمي يبحث عن هندسة مشهد سوداني متوافق مع مصالحه أمر لا يمكن استبعاده ولا تجاهله، خاصة في ظل تاريخ التدخلات السابق في الملف العسكري والاقتصادي السوداني.
إذا أردنا تقييم قيمة إعلان حميدتي للهدنة، فالمعيار الأساسي ليس اللغة المستخدمة، بل الإجراءات المرتبطة به. حتى الآن لا توجد خطوات فنية أو قانونية أو لوجستية تبرر وصف الإعلان بأنه تحول حقيقي.
السودان يحتاج هدنة نعم، لكن هدنة تُبنى على التزامات قابلة للقياس، مراقبة دولية فعّالة، وإغلاق حقيقي لطرق الإمداد ولا توجد خارطة طريق سودانية لهذه الإجراءات سوى التي تقدمت بها الحكومة السودانية. غير ذلك يبقى كلاماً للاستهلاك السياسي لا علاقة له بحماية المدنيين أو إيقاف الحرب وانما ايجاد مخارج للمليشيا ولدولة العدوان لا أكثر.
#جيش_واحد_شعب_واحد
#مافي_مليشيا_بتحكم_دولة
#ضد_الجنجويد
#حكومة_الأمل
#جيشنا




