(نجـــــــوم في الحــــرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمــد جمــال قنـــدول
الممثل والمسرحي د. علي مهدي لـ(الكرامة):
.. أفراد داخل أُسرتي ماتوا ب (…..)
لولا العمر لكنت أُحارب الآن بجوار الجيش..
(…..) هذا ما حدث عندما اقتربنا من الشمالية
فقدتُ جهود 30 عامًا وأفلامًا ووثائق لا تقدر بثمن..
نعد لمهرجان (البقعة) بثلاث ولايات ووفود دولية ستزور السودان
حاولنا لأشهر تقريب وجهات النظر لكن (…..)
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.
ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو الممثل والمسرحي د. علي مهدي، الذي خرج من منزله بحي الرياض إلى الحاج يوسف ثم الولاية الشمالية متحسرًا، فماذا شاهد خلال رحلته تلك:
أول يوم الحرب، أين كنت؟
لبيتُ مساء ليلة الحرب (الجمعة) دعوة الفريق ركن شمس الدين كباشي في الإفطار بالنادي العالمي، ولاحظتُ أنّ كل أهل السودان كانوا في ذلك الإفطار ما عدا المتمردين، لم يكن هنالك أي وجود لهم، وتحدثت مع بعض الأحباب عن ملاحظتي واتفقوا معي، ثم بعد الإفطار جلسنا خارج الإفطار وكان لدينا جهودًا مع مجموعة من الرموز لتهدئة الأوضاع، ولكن لم تكلل بالنجاح، وكان من المفروض (صباح السبت الساعة 8 نمشي على القيادة العامة)، وكالعادة بعد أن استعدادي للخروج سمعت دوي رصاص ولكني لم أتخيل أن تكون هذه بداية التمرد.
كيف مر اليوم الأول لك؟
لم أخرج من المنزل طيلة اليوم الأول.
بعد أن اندلعت الحرب، من أول شخص هاتفته؟
عددٌ كبيرٌ من القيادات هاتفتهم.
اليوم الثاني للحرب؟
ظللتُ في المنزل لأيامٍ.
ثم ماذا؟
ما حدث أنّ بعض المنازل بالقرب جوار منزلي تم قصفها، وبالتالي هذه الأُسر التي تضررت استقبلتهم بمنزلي ومعهم عددٌ كبيرٌ من الأطفال، وظللنا في المنزل لأيامٍ، ثم وبعد ضغطٍ شديد من الأهل والأصدقاء خرجنا للحاج يوسف.
كيف كانت الرحلة من الرياض للحاج يوسف؟
خرجنا ب(شارع الستين) حتى بري، ثم اتجهنا شرقًا لكبري المنشية، وحينما عبرنا الكبري كان هنالك تمركزا للمتمردين ولم يعترضونا، وكنا ثلاث عربات فيها سيداتٍ وأطفالًا، يمكن وجود السيدات والأطفال لطفٌ بنا من رحمة الله.
كم مكثت في الحاج؟
5 أيامٍ.
ثم أين كانت الوجهة؟
استأجرنا بصًا نحو الشمالية وتحديدًا مدينة دنقلا، واضطررنا نعبر كبري الحلفايا ثم نذهب بأمدرمان ومنها اتجاه الشمال، واللافتُ للنظر، أول ما اقتربنا من الشمالية كان المواطنون يصرون ويوقفون البصات لإطعامنا بإصرارٍ شديدٍ.
خلال الرحلة من الحاج يوسف بأمدرمان؟
كانت مشاهدًا عجيبة ومؤلمة، آثار الحرب كانت بائنة.
حسرةٌ شديدة؟
أنا تحديدًا أُصبت بخيبة أملٍ كبيرة وصدمة لأنني جلست لأشهر أحاول وأحاول لتقريب وجهات النظر، ولكن وضح أنّها خطة مؤامرة على الوطن مستخدمٌ فيها التمرد بصورة ممنهجة ومرتبة.
هذه الحرب مختلفة؟
طبعًا، ويكفي أننا بعد هذا العمر نكون خارج الوطن.
مأساة عايشتها أيام الحرب؟
فقدان الأهل والأصدقاء بسبب الحرب، وأسبابًا أخرى الجوع والمرض والحسرة، أنا أعرف ناسًا حتى داخل أسرتي ماتوا بالحسرة.
عادة فقدتها أيام الحرب؟
الزيارات الاجتماعية والتجوال في شوارع الخرطوم والعمل الاجتماعي والثقافي، وفقدت (مهرجان البقعة) جهدي لثلاثين عامًا ووثائق لا تقدر بثمن والأفلام توثيقي لتجربتي.
بعد عامٍ وأشهر من الحرب؟
لم يسعدنا بعد هذا إلّا انتصارات القوات المسلحة أمس وأول أمس، ونثق في أنّ الأيام المقبلة ستشهد انتصاراتٍ كبيرة للجيش.
هل توقعت بأن يتمرد ويقود للحرب؟
نحن لآخر لحظة (كنا شغالين قبل الحرب بساعات)، كنا نأمل في حل الأزمة، ولكن وضح أنّها لم تكن قدر خيالنا، وواضحٌ بأنّ التمرد و”حميدتي” كان لديهم رغبة في التمرد وهم أدواتٌ لمشروعٍ إقليميٍ ودولي.
ما هي فوائد هذه التجربة للسودانيين؟
هذه التجربة كشفت بأننا نحتاج لتفهم بعض ونقدر ونحترم بعضنا البعض ونقدر ونتأكد بأنّ القوات المسلحة هي الحصن الحصين، وفي الوقت الراهن هي الحل، وبالتالي على المواطن والشعب الوقوف مع القوات المسلحة، ونحن لولا العمر لكنا نحارب الآن بجوار الجيش.
ما دوركم كفنانين في هذه الأزمة؟
أن نسعى بالقدر المستطاع لمساعدة الشعب السوداني لينتصر على الحق، ثم أن نعمل لإعادة التعمير وبناء الإنسان السوداني بالفنون والثقافة والفكر والإعلام، وإعادة بناء مؤسساتنا على نسق يستوعب الجميع بلا استثناء.
غياب الثقافة التي أحدثت حالةً من الفراغ طوال السنوات الماضية، جعلت المواطن قريبًا من السياسة، لا دراما نشطة ولا مسرحٌ جاذب؟
لا أتفق معك، أنا زرت السودان خلال الحرب مرتين، ورغم هذه المحنة الفنانين السودانيين شغالين خاصةً عددٌ كبيرٌ من أهلنا تم تهجيرهم بسبب الحرب ووسط الملاجئ وأماكن النزوح، كان الفنانون يقدمون المسرح والفنون والرسم، بل تم تنظيم مهرجان للمسرح الحر في النيل الأبيض ونجح، وتقديم عروض مسرحية في كسلا، وتنظيم أعمال فنية بالولايات الآمنة، إسهام المبدعين على مدار كل السنوات لا يقل عن إسهام السياسيين، ولكن يبدو أنّ أصوات السياسيين كانت أعلى.
كلمة أخيرة؟
نحن نعمل على إعداد دورة لمهرجان البقعة في بورتسودان، وفي كسلا، وفي أم درمان، ودعونا وفودًا عربيةً ودولية ستزور السودان في ديسمبر.