ألسنة وأقلام
الإجماع الوطني .. المفترى عليه
بابكر إسماعيل
١٦/ ١١/ ٢٠٢٤
مقدمة: أنواع الأنظمة السياسية:
١ / نظام ديمقراطي (شوري)
٢/ نظام غير ديموقراطي (ديكتاتوري)
٣/ أخرى
الأنظمة الشورية (الديمقراطية) تتراوح بين تمثيل نيابي (برلماني أو جمهوري- رئاسي) أو ملكية دستورية أو تمثيل مباشر (تجربة ليبيا).
الأنظمة غير الشورية وتشمل:
الحكم الاستبدادي السلطوي الذي تُحظر فيه التعددية الحزبية وحرية الرأي ويدار مركزياً
وتشمل أنواع الحكم الاستبداديّ الحكم الأوليغارشي (وهو حكم الأقلية المتسلطة) وقد يكون مستنداً على نظام الحزب الواحد أو الحكم العسكري.
ويدخل في باب الحكم المتسلط الملكية المطلقة وكذا بعض الحكومات المبنية على المذاهب الفكرية أو الدينية أو حكم النخبة التكنوقراطية.
ونماذج الحكم الأخرى: مثل الخلافة الإسلامية المبنية على الشورى والتي اندثرت منذ أزمان وكذا حكم الشعوب تحت الاحتلال (ما زال في غزة والضفة الغربية) أو الحكم الأرستقراطي الإقطاعي الخ ..
تجربة الحكم في السودان
منذ استقلالنا في العام ١٩٥٦ تراوحت أنواع الحكم عندنا بين الحكم النيابي (ثلاث ديمقراطيات) والحكم العسكري الشمولي (مايو ويونيو والحكم النخبوي التكنوقراطي في الفترات الانتقالية – في ثورة أكتوبر والانتفاضة الشعبية في أبريل ١٩٨٦ وثورة ديسمبر ٢٠١٨).
واجهت حكوماتنا الشمولية تمردات مسلحة وتكتلات سياسية معارضة كلها تستعين بقوى خارجية للقضاء على الأنظمة الشمولية فاستعان التمرد الجنوبي (١٩٥٥ – ١٩٧٢ وأيضاً ١٩٨٣ – ٢٠٠٥) بدول الجوار الإفريقي والدول الغربية وإسرائيل ومجلس الكنائس العالمي ومجلس الأمن الدولي.
واستعانت الجبهة الوطنية (١٩٧٣ – ١٩٧٧) بالمملكة العربية السعودية وإثيوبيا وليبيا
واستعان التجمع الوطني الديمقراطي (١٩٩٣ – ٢٠٠٥) بمصر وإثيوبيا وإريتريا.
واستعانت حركات دارفور المسلحة بتشاد وليبيا ومنظمات أمريكية مسنودة باللوبي الصهيونى (منظمة أنقذوا دارفور ومنظمة الأزمات الدولية الخ ..).
واستعان تحالف قوي الحرية والتغيير ومليشيا الدعم السريع ظهير قحت/تقدم العسكري (٢٠١٨ وحتى تاريخ اليوم) بصورة رئيسية بدولة الأمارات العربية المتحدة ومن وراءها. دولة الأمارات هي جزء من اللجنة الرباعية التي تصدت للوساطة بين قحت/تقدم والمكون العسكري بمجلس السيادة وتضم بالإضافة إلى دولة الأمارات العربية المتحدة كلاً من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وحظيت بدعم قوي من بيرثيس فولكر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الذي طلبت حكومة البرهان إنهاء تكليفه والذي غادر السودان بلا عودة في أبريل ٢٠٢٣.
الأنظمة الشمولية/ العسكرية:
عندما تشتد وطأة التحالفات السياسية والعسكرية صدّ أنظمتنا الشمولية تلجأ هذه الأنظمة لتوسيع المشاركة بالسماح لنشاط حزبي موالٍ ويكون في غالبه انشقاقاً لأحزاب معارضة أو يؤسّسه أفراد موالون للنظام وكذلك تستقطب الأنظمة الشمولية كيانات غير سياسية كالقيادات المجتمعية والإدارات الأهلية والزعماء العشائريين وقد تتحالف مع مكونات قبلية بعينها أو مذاهب دينية كما حدث في نظام صدام حسين والنظام السوري والنظام في اليمن وبصورة مخففة عندنا في السودان حيث اعتمد نظام الإنقاذ على ولاء الإسلاميين في مبتدئه ثم اعتمد على قبائل الشمال النيلي (جعلية وشايقية وبديرية) والطرق الصوفية ثم تحالف في آخر سنواته مع قبائل العطاوة الذين شكلوا له مليشيا قبلية قامت بدحر تمرد دحركات دارفور المسلحة (٢٠١٣) وساهمت في إخماد المظاهرات في سبتمبر ٢٠١٣. كما استعان نظام مايو بقبيلة الدينكا بعد اتفاقية أديس أبابا (مارس ١٩٧٢) وبصورة أساسية في حكم الإقليم الجنوبي وقد تمردت قبيلة الدينكا في العام ١٩٨٣ عقب خرق النميري وتقسيمه للإقليم الجنوبي إلى ثلاثة أقاليم في العام ١٩٨٠ وكانت المحصلة النهائية لتمرد ١٩٨٣ هي انفصال جنوب السودان وقيام دولة جنوب السودان المستقلة في العام ٢٠١١.
النظام الحزبي السوداني:
معظم الأحزاب السياسية في الأنظمة الليبرالية تقوم على مبدأين رئيسيين:
١/ الأحزاب المحافظة وتعتمد اقتصاد السوق وتحافظ على ثقافة البلد وموروثاته وتقاليده ومثالها حزب المحافظين البريطاني والحزب الجمهوري بأمريكا.
٢: الأحزاب التقدمية: وتعتمد على تحالف أقليات عرقية أو فكرية ومجتمعية إضافة إلى النقابات العمالية ومنظمات حقوق الإنسان الخ .. ومثال هذه الأحزاب حزب العمال البريطاني والحزب الديمقراطي بأمريكا وتميل هذه الأحزاب للمنهج الاشتراكي المعتدل أو اقتصاد السوق الرحيم.
ولا يوجد لدينا في السودان هذا النموذج الغربي الليبرالي رغم أننا قد تبنّينا ديمقراطية ويستمنستر وارتضتها أحزابنا منهجاً لحكم السودان.
فأحزابنا تنقسم إلى أحزاب آيدولوجية (إسلامية وعلمانية) أو أحزاب تاريخية قامت على ولاءات طائفية وبرعاية الاحتلال الثنائي (١٨٩٩ – ١٩٥٦) فحزب الأمة ويستند على طائفة الأنصار ومناصرة الإنجليز تاريخياً والحزب الاتحادي الديمقراطية ويستند على طائفة الختمية الدينية وناشطين سياسيين دعوا تاريخياً للوحدة مع مصر وهي دعوة عفى عليها الزمن وما زال أثرها باقياً في اسم الحزب. إضافة لأحزاب تستند على إثنيات عرقية مثل مؤتمر البجة والحزب القومي السوداني (نوبة) وحركة العدل والمساواة (زغاوة) وحركات تحرير السودان (فور وزغاوة).
الإجماع الوطني:
كثيراً ما تلجأ الحكومات الشمولية لدعوة الأحزاب السياسية للإجماع الوطني ومن أشهر هذه الدعوات كانت هي الدعوة لحوار الوثبة في يناير ٢٠١٤ وسبقتها دعوات المصالحة الوطنية (نظام – جعفر نميري في العام ١٩٧٧) وحوار المائدة المستديرة في ستينات القرن الماضي.
تبدو معظم هذه الدعوات في ظاهرها مخلصة حادبة على الوطن ووحدته وإجماع بنيه ولكن في باطنها تهدف إلى تقنين سياسة الأمر الواقع والقبول بالأنظمة الشمولية القائمة.
فلسفة النظام الحزبي تقوم على التنافس بين الأحزاب السياسية واستفتاء الشعوب لتختار بين المدارس المختلفة في الاقتصاد وأنظمة الإدارة والحكم والأطروحات الفكرية والثقافية والتي ترغب الشعوب في اعتمادها وتبنيها في مراحل تطورها ومسيرة حياتها.
لذا فالدعوة للإجماع الوطني هي دعوة ماكرة تخلط عمداً بين المصالح الوطنية العليا والتي هي عماد الوطن وأركان بنيانه المتينة واعتمدتها الشعوب في بنود دساتيرها وهي محل إجماع كل الشعب بكل طوائفه وقبائله وأديانه وليست مطروحة للنقاش والتداول في أصلها.. ويُفترض نظرياً على الأقل ألا يوجد حزب يقوم بنيانه على غيرها. ولكن للأسف فهذه الدعوات الماكرة تخلط عمداً بين المباديء الوطنية العليا وبين تبني خيارات الحكم التي تطرحها الأحزاب السياسية. ومردّ هذا الخلط هو أنّ كثيراً من أحزابنا خاوية فكرياً ولا تعتمد نظاماً اقتصادياً للحكم ولا خيارات ثقافية عدا عن بعض أحزابنا الآيدولوجية يمينها ويسارها ..
لذا تلجأ الأنظمة الشمولية المخادعة إلى دعوات الإجماع الوطني والموائد المستديرة وقد بدأت شنشنة بعض أشارم وفلنقايات حكومة الأمر الواقع الحالية تهمس بهذه الدعوة والتي في العادة تتداعى لها الأحزاب الخاوية من المباديء تداعى الأكلة حول القصعة .. ثمّ يخرجون في نهايتها ببيان يؤمّنون فيه على المباديء الدستورية التى ارتضاها كل السودانيين ويتصافحون ويتحاضنون ثمّ يكبّرون الله إيداناًً بنحر الوطن قرباناً لمصالحهم الخاصة فيقتسمون كيكة السلطة قسمة الحلال والدلال .. ويسمّون ذلك إجماعاً وطنياً ..!!
https://whatsapp.com/channel/0029VamosTXJJhzfLSbFzY3E/121