*خطاب عقار: مناسبة أخري ضائعة ..*

(1)
راجعت مرة وأخرى خطاب السيد مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي ، وخلاصة القول وفق ما استخلصت أن الخطاب تنازعته (مطالب وتوجيهات عقار شخصياً ، وتداخل سلطة تنفيذية أرادت تمرير جملة من التفاصيل لا داعي لها فى خطاب تهنئة ، ثم سطا عليه موظف (إدارى) صاغ الخطاب وأخطأ فى التعبير وفى التوصيف وهو الحال فى بلادنا مع كثير من المتنطعين) ، وسوف نورد الشواهد والدلائل بإذن الله..
والنقطة الأولى فى اشارتنا ، أن مرجعية الخطاب فى كلياته جيدة ، فقد وضع توصيفاً دقيقاً لمجريات الأحداث (حرب وحشية تشنها مليشيا الدعم السريع ومن خلفها أياد خفية تسعى للنيل من استقلالنا ونهب ممتلكاتنا واستعباد شعبنا وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة) ، وهذا مدخل مهم فى الخطابات الرسمية ولاحظت فى الأيام الأخيرة تركيز الخطاب الاعلامي على الإفصاح فى قضية الحرب و تجاوز مرحلة التلميحات إلى تسمية الأشياء بوضوح..
وثانياً : اشتمل الخطاب على بعض النقاط المهمة لمهام المرحلة الحالية واولها إسترداد (الدولة) و للمستقبل السعي للتحول الديمقراطي وما يقتضى ذلك من ضرورات وتحديات.
وثالثاً: حرص (كاتب) الخطاب على (حشر) مطالب السيد عقار خارج سياقها ، ومنها (تحية الثوار) و (جمع السلاح) ونسى أن يتدبر أمر إتفاق السلام ، وقد أخلت هذه المعالجة بالخطاب كثيرا ، و كان بإمكانه الحديث عن الثوار ضمن نفرة كل أهل السودان ، وعن جمع السلاح فى سياق حديثه عن تأسيس مؤسسات الدولة (المحايدة)..
ورابعا: ومن أغرب ما اورده الخطاب الحديث عن (تأسيس مؤسسات الدولة المحايدة) وهو (تنطع) فى التعبير ، فالأصل فى المؤسسات انها (مستقلة) فى قرارها ومهنية فى وظيفتها ، ومن المتابعة فى القراءة أتضح أنه يتحدث عن المؤسسات العسكرية ، وهنا أضاف من الأخطاء (كيل بعيرين) وهو يتحدث عن ضرورة عدم انحياز هذه المؤسسات لأى جهة حزبية أو إثنية الخ ، وهذه صياغة ركيكة ، فالأفضل الحديث عن (عدم توظيف) المؤسسات العسكرية فى خدمة اجندة ودعوة السياسيين للإبتعاد عنها ..الخ..
وخامساً: تم حشو الخطاب بحديث طويل عن اداء الحكومة والدفاع عنها ، والحديث عن خططها وهو ما جعلنا نشير إلى تأثير جهة تنفيذية ، وهذا أمر كان الاجدي عرضه مع خطاب الميزانية ، حيث يمكن التوسع فى عرض الأرقام والإنجازات والاخفاقات ..
ولم يكن الأمر فى المحتوى فحسب ، وإنما طريقة عرض الخطاب ومفرداته..
(2)
للأسف الشديد أمتلأ الخطاب بأخطاء فى التعبير وفى الإملاء ، وما زال النص بذات الاخطاء فى موقع مجلس السيادة الانتقالي (13 يناير 2025م) ومنها:
– (غاب) قوسين أو أدنى.. وهو خطأ غير مقبول كلياً ، فهذه آية قرانية فى سورة النجم ، قال تعالي (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9).. لم ينتبه لها الكاتب ويؤسفني أن أقول أن هذا الخطأ يشير إلى (تواضع) قدراته المعرفية والذهنية ..
– استخدام كلمة (شبق) السلطة ، تعبير لا يمكن أن يرد فى خطاب مؤسسة سيادية ، كما أنه وصف مبتذل – فى رأى – ..
– وردت كلمة (مستقلين ظروف البلاد) والأصح (مستغلين)
– (الدللة) أى جمع دليل ، اى المتعاونين الذين عملوا أدلة للمليشيا.. وهذه مفردة غاية فى (الركاكة) ..
– بالإضافة لكلمات (محايدة) و(الانحياز) فى غير ضرورة..
– ومن عجائب الخطاب الحديث بصورة مطولة عن ورشة اعدتها (وزارة العمل) وهى الوزارة الوحيدة التي حظيت بمساحة وحديث ، مما يعطي إنطباعاً إ أن كاتب الخطاب (موظف إداري) أو محرر تائه..
– وإليك هذه الجملة (تنمية مقدراته الوظيفية والادائية) وهذا فى إطار الحديث عن تأسيس الدولة ، هذا يمكن توقعه فى ورشة مكتبية ، وليس خطاب سيادي لا يحتمل الإنشاء..
– وكل ذلك يشير إلى أن الكاتب وضع امامه كل المطلوبات والتوجيهات وكتب دون مراجعة من طرف آخر..
(3)
مثل هذه الخطابات الرسمية ولأنها محل إهتمام داخلي وخارجي ، ومرجعية سياسية ، وتعبير بقيمة وطنية كبيرة لابد من إخضاعه لجملة من الشروط والقواعد المهمة:
– التوافق على (اختصاص) الخطاب أو تحديد الغائية من البداية ، وخاصة خطابات المناسبات ، والتركيز على ذلك ودلالاته والدروس والعبر ، واى اشارات فى إطار ذلك ، أما استغلال المناسبة لأغراض دعائية أخرى ، فهذا لا يحقق غاية ولا يوفي غرض..
– وأكثر من ذلك وجود (دليل) أو (موجهات) لكتابة الخطابات ، تتضمن الاهتمامات العامة ، ومدة الخطاب ومفرداته ، وهو أمر ممكن وميسور..
– ثم إن تناول القضايا الوطنية يتطلب حساسية عالية ودقة فى التعبير ، بما لا يحتمل التأويل أو التفسيرات المخلة ، ولذلك الأفضل استخدام لغة مباشرة ومركزة دون إسهاب ومتفق عليها ، الخطابات الرسمية لا تحتمل (الاهتمامات الخاصة) ، فالسيد عقار هنا يمثل كل اعضاء مجلس السيادة الانتقالي وكل مجلس الوزراء ، ولذلك تركيز الخطاب يكون على الكليات وليس تمرير الهواجس الخاصة ، وإن كانت ذات قيمة حقيقية ، ركزوا على ما يجمع..
– وثالثاً: إخضاع أى خطاب لسلسلة من الاجراءات وتمريره إلى (جهة) متخصصة أو طرف ثان للمراجعة..
وفى رأى أن الخطاب ضاع فى سلسلة من التنازع ، وافقده ذلك القيمة السياسية ، ولا يمكن البناء عليه..
هذا حدث لم يتم توظيفه بما يحقق الغايات فى خطاب يجمع الناس ويبشرهم وينهض بهم ويزيد عزمهم..
حفظ الله البلاد والعباد
د.ابراهيم الصديق على
14 يناير 2025م
[١٤‏/١، ١:١٨ م] bakrikhalifa83: *القوى السياسية و التحنيط العقلي زين العابدين صالح عبد الرحمن*

*القوى السياسية و التحنيط العقلي زين العابدين صالح عبد الرحمن*

مقالات ذات صلة