تعتبر العلاقة بين الميليشيات العسكرية والأحزاب السياسية في كل العالم علاقة معقدة ومتغيرة، تتأثر بمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية.
في كثير من الحالات، تشكل هذه العلاقة حجر الزاوية في المشهد السياسي، حيث تساهم الميليشيات في دعم الأحزاب وحماية مصالحها، في المقابل تحصل الميليشيات على دعم مادي وسياسي من هذه الأحزاب. او العكس ومع ذلك، قد تشهد هذه العلاقة تحولات جذريه، حيث تتخذ الميليشيات قرارًا بالتخلي عن ارتباطها بالأحزاب السياسية.
في هذا التحليل، سنقوم باستكشاف بعض الأسباب التي دفعت مليشيا الدعم السريع بان تتخلى عن احزاب قحت والقوى المدنية التي تماهت معها . وتسليط الضوء على العواقب المحتملة على هذه الأحزاب السياسية.
ادت الانتصارات الكاسحة للجيش السوداني في كافة المحاور الى تغير الأهداف الاستراتيجية للميليشيا مما دفعها إلى إعادة تقييم علاقتها بالأحزاب السياسيةالتي تناصرها وتناصب العداء للحيش .
كانت الميليشيا تسعى لتحقيق أهداف أوسع نطاقًا، مثل السيطرة على البلاد ..ثم تراجعت عن هذا الهدف الكبير الى الاقل وهو السيطرة على مناطق جغرافية اسمتها مناطق سيطرتها في الخرطوم ومدني ودارفور لتكتشف بعد ما يقارب العامين انها لن تستطيع بناء دولة مستقلة، وان اعتمادها على الدعم الخارجي وعلى قوى سياسية داخلية ضعيفة جلب عليها الخراب فادركت انها بهذا الارتباط لم تفشل في اهدافها الاستراتيجية فحسب بل حصدت اكبر خسارة مالية وبشرية هذا بخلاف انها سطرت اخر حرف في نهاية ما يعرف بالدعم السريع وبقائدها محمد حمدان دقلو الذي ذاع صيته في العالم من نائب رئيس دولة الى اكبر مجرم حرب في تاريخ البشرية تطارده لعنات المظلومين . .ونهاية احلام جنجويد عرب الصحراء باقامة دولتهم على انقاض شعب السودان.
قبل الحرب برزت صراعات داخلية بين ال دقلو على السلطة والموارد، مما ادى إلى انقسامات وتشكيل فصائل متناحرة بين دقلو اخوان خاصة مع القوني الذي يسيطر على استثمارات الدعم السريع بالخارج ..لكن مع اندلاع حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٣ تم تاجيل الخلافات واتحد الجميع على الهدف الاكبر وهو السيطرة على مقاليد حكم السودان بدفع من دولة الامارات التي تولت الصرف على الحرب من مالها ومال استثمارات حميدتي بدبي وتهريب ذهب السودان .
يبدو ان حميدتي فقد الثقة في احزاب قحت التي دعمتها قبل وبعد الحرب ..فبعد ان كانت مكتومة برزت خلافات كبيرة ربما تكون نهاية لارتباط علاقة مشبوهة بين الطرفين ..
حتى اللحظة ظلت احزاب قحت تختفظ بشعرة معاوية مع مليشيا الدعم السريع فلم تبد اي ادانات على كل الانتهاكات الموثقة دوليا من قتل وترويع وتشريد للمواطنين وضرب وتدمير للمنشات المدنية .حتى المستشفيات في الخرطوم ومدني والفاشر .كما لم تبد اي مظاهر فرح او اشادة بانتصارات القوات المسلحة وبداية عودة المواطنيين الى ديارهم وبدء توقف اعمال العنف والقتل ..صمتت قحت عن الدمار الذي لحق بالبلاد وصمتت ايضا عن انتصارات الجيش حتى لا تخدش كبرياء حليفيتها مليشيا الدعم السريع ..وبرغم هذا الصمت المريب لم تسلم من التعنيف والاتهامات اذ شنت غرف اعلام المليشيا هجوما عنيفا على احزاب قحت وتقدم وقياداتها .وكشفت معلومات سيئة جدا عن ارتباط قيادات القوى المدنية بقيادات مليشيا الدعم السريع .واظهرت ان هذا الارتباط المرحلي ماهو الا ابتزاز بين الطرفين ولا علاقة له بانشاء دولة مدنية ولا تحول ديمقراطي بمثل ادعائهما .
مليشيا الدعم السريع قادت هجومها هذا بعد ان توصلت الى قناعة بفشل الأحزاب في تحقيق وعودها،و اتباعها سياسات لا تتوافق مع مصالح الميليشيا لتوصيلها الى حكم السودان بل شعرت بانها تقاتل في الميدان وان حليفتها تنتظرها بالانتصار العسكري لتعتلي كرسي السلطة دون عناء ..
كثيرا ما ظهر منسوبو مليشيا الدعم السريع من مقاتلين وابواق اعلامية يتزمرون من قحت وقياداتها .ويتحدثون عن صمتها وعدم الدفاع عن حميدتي وقواته امام الضغوط الخارجيةالتي من دول كبرى و منظمات دولية تطالبها بايقاف الانتهاكات والقتل وجرائم الحرب التي ترتكبها في حق المدنيين . والادانات الدولية والعقوبات على قياداتها .
في الغالب قد تسعى الميليشيا في بعض الدول إلى تحقيق مكاسب اقتصادية أكبر من خلال الانخراط في أنشطة غير مشروعة، مثل تهريب السلاح والمخدرات. وفي هذه الحالة، قد ترى أن الارتباط بحزب سياسي يمثل عائقًا أمام تحقيق هذه المكاسب. .لكن في حالة مليشيا الدعم السريع كان الوضع معكوسا ..فالانشطة الغير المشروعة من تجارة السلاح وتهريب الذهب وغيرها من الانشطة التي ادت الى ثراء فاحش هو الذي اغرى احزاب قحط للتماهي مع مليشيا الدعم السريع بل تعتمد عليها كرافعة عسكرية تقودها الى السلطة في السودان.
الان القوى السياسية والمدنية المرتبطة بالتمرد تعيش في اسوا حالاتها وهي في طريقها لفقدان السند العسكري وذلك بسبب الهزائم المتلاحقة لمليشيا الدعم السريع .وايضا لما تواجهه من هجوم شديد على الميديا من مستشاري المليشيا وابواقها ذات الصوت العالي .
فهل تعلن قوى الحرية والتغيير وتنسيقية القوى المدنية ( تقدم) عن تخليها عن مليشيا الدعم السريع بعد الانهيار الذي حدث لها في الميدان ..وهل تملك شجاعة الاعتذار للشعب السوداني على وقوفها في الموقع الخطا .