الخرطوم وبقية عواصم الامصار والمقاطعات كلها أو جلها تحتل مواقع مميزة إذ انها تعانق الضفاف والمرتفعات والهضاب والأودية، ولكن تظل العاصمة القومية أكثرها تميزاً، فانها تحتضن ست ضفاف ، وبها ملتقي نهري النيل الأزرق والأبيض، ومنها بداية الانطلاقة الهاجرة لنهر النيل.. أطول نهر في العالم.. والذي يوازي أو يفوق نهر المسيسيبي بالولايات المتحدة الأمريكية.
رغم ان هذه الضفاف_ خاصة تلك التي تتوسط العاصمة الخرطوم_ والتي تتمتع بتربة ذات خصوبة عالية لانها تتغذي موسمياً بالطمي المتجدد كل عام، لكنها علاوة علي تلك الميزة فإنها ايضاً ذات طبيعة خلابة وساحرة ، مما يؤهلها لتكون من ارقي الجواذب السياحية، وبالتالي فلا بد من اخلاء هذه الضفاف وما جاورها من اي مبان حكومية أو تجارية أو سكنية الا ما كان منها ذا طبيعة سياحية.
ولذلك فإن التخطيط الحضري الذي يراعي الجواذب السياحية يجب ان تتاسس خارطته الشاملة لتشمل الصرف الصحي ومجاري السيول والفيضانات، ثم الجسور، وشبكات المياه والغاز، والإمداد الكهربائي وشبكات الاتصال ، والطرق المعبدة، ومواصفات المباني حسبما يقتضيه الطقس لكل ناحية من جهات البلاد المختلفة، سواء كان ذلك لامتصاص الرطوبة، أو لمقابلة كثافة الأمطار، اوقوة الرياح اوالزحف الصحراوي، أو كبح شدة الحرارة والبرودة معاً، وغير ذلك مما يتطلبه مناخ كل جهة من أطراف البلاد.
التخطيط الحضري عليه أن يشتمل علي تخصيص مساحات للأسواق، ودور العبادة، والملاهي، والرياضة، ومؤسسات التعليم والصحة، ومساحات مخضرة لامتصاص انبعاثات الغازات الملوثة للبيئة، ومقار الشرطة والأمن، والمجمعات الصناعية والحرفية.
قانون التخطيط الحضري، والذي بموجبه يُخصص للمواطن عقاراً بغرض السكن أو الاتجار، يجب ألا يترك له الخيار لان يبني بغير المواصفات التي ترسمها إدارة تخطيط المدن، والمزودة بكافة خدمات المياه والكهرباء والغاز والاتصالات، والصرف الصحي، وإنما يجب ان يكون هذا القانون ملزما ويشتمل في مواده على جزاءات وعقوبات رادعة لكل من يتجاوز حدود ما تم سنه بموجبه من مواصفات.
أما المباني الحكومية المختلفة السيادية منها او الوزارية فيجب أن تتوزع بشكل قطاعي يراعي العلاقات البينية النظيرة والتكاملية اللصيقة.
وأما المقار العسكرية فهذه ينبغي أن تكون خارج المدن في أماكن نائية، وتوزيعاتها يجب أن تكون بمناطق تتناسب وطبيعة كل سلاح.
تنمية الريف أكبر محدد لتدفقات السكان وهجراتهم الداخلية نحو المدن، بسبب هشاشة الوضع الامني وضعف الخدمات الاساسية في الارياف ، خاصة وفرة وجودة التعليم والصحة والمهن ومخرجاتها وتوفر خطوط الإمداد الغذائي والدوائي الرئيسة وما يتعبها من ضرورات جودة الحياة ورفاههها في المناطق الآمنة، فإن هذه المعطيات لو توفرت، بالإضافة لخدمات المياه والكهرباء والاتصالات، فإن ذلك سيكون أكبر محفز للأستقرار السكاني، ومن ثم الإنتاجي، ولنا في تجربتي الريف البريطاني والالماني خير مثال.