﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾. حقاً إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ولكنَّ الَّذي يُكْسِب أثر الرَّجعة قيمةً إيجابيَّةً، هو عندما يرحل الإنسان ويترك وراءه إرثًا نافعًا، يُذكر في المحافل واللِّقاءات العلميَّة، ويُشار إليه في حواشي الكتب والأطروحات الأكاديميَّة، ويتداوله وجهاء المجالس الَّذين نهلوا العلم على يديه احتفاءً وتقديرًا. كان البروفيسور حسن أحمد إبراهيم واحدًا من أمثال أولئك الرَّاحلين القلائل؛ الَّذين قضوا كلُّ سنوات عمرهم في مهنة الرُّسل، خدمة للتَّعليم والتَّعلُّم، ونسجوا حوَّل أنفسهم شبكاتٍ واسعةً من العلاقات الأكاديميَّة والاجتماعيَّة، القائمة على التَّعامل الإنسانيَّ الراقي وإيثار النَّفس في خدمة الآخرين. ورحيل حسن في يوم الجمعة المباركة، الذي يوافق 14 رمضان 1446ه، بقاهرة المعز، وفي زمن الشتات العصي يدفعنا للتساؤل: من أين جاء هذا الأستاذ الفذ والإنسان الرائع؟ وإلى أيِّ جيل من العلماء والمؤرِّخين ينتسب؟
الكسب والعطاء
وُلِدَ حسن أحمد إبراهيم بمدنيَّة الدُّويم عام 1938، في أسرة ذائعة الصِّيت وذات ولاء ختمي، فكان جدُّه الخليفة الحسن أحمد والد الأستاذ سرَّ الختم الخليفة من كبار خلفاء الطريقة الختمية. بدأ حسن تعليمه الأوَّليِّ بمدرسة بخت الرِّضا الأوَّليَّة، ثمَّ مدرسة الدُّويم الرِّيفيَّة الوسطى، ومدارس الأحفاد الثَّانويَّة بأمِّ درمان. حصل على بكالوريوس الآداب في التَّاريخ (مرتبة الشَّرف) عام 1963. تمَّ اختياره ضمن الطَّلبة المتفوِّقين لمواصلة دراساته العليا في تاريخ السُّودان الحديث، وأشرف على أطروحته لنيل درجة الماجستير البروفيسور مكِّي الطِّيب شبيكة، وراجعها البروفيسور رتشارد هل (Richard Hill) والدُّكتور محمَّد إبراهيم أبو سليم. وكانت أطروحته بعنوان: “محمَّد علي في السُّودان: دراسة لأهداف الفتح التُّركيِّ- المصريَّ”، وحظيت الأطروحة باستحسان الممتحنين الخارجيِّين في العام 1966، ونشرتها دار التَّأليف والتَّرجمة والنَّشر (جامعة الخرطوم) في عام 1973. وفي العام الَّذي حصل فيه على إجازة الماجستير التحق حسن بمدرسة الدِّراسات الشَّرقيَّة والأفريقيَّة بجامعة لندن. وفي أوَّل مقابلةٍ له مع المشرف البروفيسور بيتر مالكم هولت (P. M. Holt)، أوضح له أنَّه لم يختر موضوعًا لأطروحته لنيل درجة الدُّكتوراه، فاقترح هولت عليه “معاهدة 1936 البريطانيَّة-المصرية” (The Sudan in the 1936 Anglo-Egyptian Treaty). يبدو أنَّ حسن- في بادئ الأمر- قد استسهل عمليَّة البحث في عام واحدة (1936)؛ لكنَّه بعد أن أطلع على الكمِّ الهائل من الوثائق المودعة بدار الوثائق البريطانيَّة، أدرك صعوبة الأمر، الَّذي استغرق منه ثلاث سنوات، لينال درجة دكتوراه الفلسفة في التَّاريخ عام 1970. ويُعْدُّ حسن من أفضل ثلاثة طلَّاب أشرف عليهم هولت في النِّصف الثَّاني من عقد السِّتينيَّات ومطلع السَّبعينيَّات، وتخصَّصوا في تاريخ السُّودان الوسيط والحديث والمعاصر، وكانت لهم إسهامات مقدرة في مجال تخصُّصاتهم التَّاريخيَّة، والطَّالبان الآخران هما ركس شوَّن أوفاهي (Rex Sean O Fahey)، الَّذي تخصِّص في تاريخ دارفور، ومارتن دالي (Martin Daly)، الَّذي تخصِّص في تاريخ السُّودان فترة الاحتلال الإنجليزيِّ-المصريَّ (1898-1956).
وبعد حصوله على درجة الدُّكتوراه، عاد الدُّكتور حسن إلى شعبة التَّاريخ بجامعة الخرطوم، وظلَّ يمارس مهامَّه التَّدريسيَّة والبحثيَّة بالشعبة لمدَّة عقدين من الزَّمان (1970-1990) وخلال هذه الفترة أشرف على وناقش العديد من أطروحات الماجستير والدُّكتوراه. ومن طلبته الَّذين كان يفاخر بأدائهم الأكاديميِّ البروفيسور أحمد العوض سكينجة، أستاذ التَّاريخ الأفريقيِّ بجامعة أوهايو (الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة)، والبروفيسور فدوى عبد الرَّحمن علي طه، أستاذ تاريخ السُّودان الحديث والمعاصر ومديرة جامعة الخرطوم السَّابقة، والبروفيسور عبد اللطَّيف البونيّ، أستاذ الدِّراسات الأفريقيَّة بجامعة الأزهريِّ؛ والبروفيسور لازروس ميك ماوت (Lazarus Leek Mawut ) ، أستاذ التَّاريخ بجامعة جوبا، والبروفيسور الفلسطيني محسَّن محمَّد صالح، المدير العام لمركز الزَّيتونة للدِّراسات والاستشارات (بيروت). وفي أطروحتها الَّتي ترجمتها إلى اللُّغة العربيَّة بعنوان: “كيف نال السُّودان استقلاله: دراسة تاريخيَّة لاتِّفاقيَّة 12 فبراير 1953 المصريَّة-البريطانيَّة حول الحكم الذَّاتيِّ وتقرير المصير للسُّودان”، أسدت فدوى العرفان والثَّناء المستحقين إلى مشرفها العظيم، قائلةً: “أتقدَّم بشكري وتقديري للبروفيسور حسن أحمد إبراهيم، الَّذي أشرف على الأطروحة، وقدَّم الكثير من المقترحات والمساعدات القيمة.” وإلى جانب مهامِّه التَّدريسيَّة، شغل حسن وظيفة رئيس شعبة التَّاريخ، ثمَّ نائب عميد كلِّيَّة الدِّراسات العليا، وختم حياة الأكاديميَّة والإداريَّة بالجامعة عميدًا لكلِّيَّة الآداب (1984-1990)، خلفًا للبروفيسور إبراهيم الحردلو (1980-1984).
وفي كثير من المناسبات كان حسن يقرِّظ جامعة الخرطوم، ويصفها بأنَّها كانت “جامعة متميِّزة”، إذ وفَّرت لهم فرص التَّأهيل الأكاديميِّ في تخصُّصاتهم المتعدِّدة، ودعمت أسفارهم إلى معظم قارَّات العالم، وأهَّلتهم لبناء شبكات علاقات أكاديميَّة وإنسانيَّة واسعة، وثَّقت صلاتهم بمؤسَّسات التَّعليم العالي العالميَّة، وفتحت لهم آفاقًا جديدةً في مجالات البحث العلميِّ المتجدِّدة دومًا. ويؤكِّد ذلك قول صديقه البروفيسور مهدي أمين التُّوم في رسالته الأخيرة (وداعًا جامعة الخرطوم) إلى إدارة جامعة الخرطوم والرَّأي العامِّ: “هكذا رضعنا من ثدي هذه الجامعة العظيمة، وبقينا طوال الأربعين سنة الماضية نحاول ردَّ بعض ديونها علينا، ببذل أقصى ما نستطع من جهد؛ تدريبًا لأبنائنا الطُّلَّاب، ومساهمةً علميَّةٍ متواضعةً في مجالات التَّخصُّص، ومحاولات مستمرَّة للإصلاح والتَّطوير، وبناءً دؤوبًا لأسس الانطلاق نحو آفاق أرحب، ودرءً لكلِّ سهام التَّخريب الَّتي ظلَّت الأنظمة الشُّموليَّة- الَّتي ابتلي بها السُّودان- توجُّهها نحو جامعة الخرطوم وكأنَّها عدوّ لدود.”
وبعد سنوات الجامعة العامرة بالكسب والعطاء، انتقل البروفيسور حسن إلى كلِّيَّة السُّودان الجامعيَّة للبنات، حيث شغل منصب عميدها المؤسِّس (1990-1993)، معتبرًا تجربته في الكلِّيَّة تجربةً ناجحةً في مجال تعاليم البنات؛ لأنَّها أفسحت المجال للطَّالبات السُّودانيَّات القادمات دول الخليج، كما وفَّرت بعض المنح للطَّالبات القادمات من الأقاليم الطَّرفيَّة في السُّودان. إلَّا أنَّ إقامته لم تطل بالكلِّيَّة فانتقل إلى الجامعة الإسلاميَّة العالميَّة بماليزيا عام 1994، وقضى فيها أكثر من عقدين من الزَّمان. وإلى جانب مهامِّه التَّدريسيَّة شغل العديد المناصب الإداريَّة، رئيس قسم التَّاريخ والحضارة (1994-2002)، ونائب العميد للدِّراسات العليا والبحث، كلِّيَّة معارف الوحي والعلوم الإنسانيَّة (2002-2007)، ومدير المعهد العالميِّ لوحدة المسلمين (2007-2010)، وعميد المعهد الدَّوليِّ للفكر والحضارة (2010-2012). وتثمينًا لهذا العطاء المتميز حصل البروفيسور حسن على جائرة أفضل أستاذ على مستوى الكلية عام 2003، وجائرة البحث النوعي عام 2006 على مستوى الجامعة، وجائزة إسماعيل الفاروقي للأبحاث عام 2012 على مستوى الجامعة. وبعد أن آثر التقاعد بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا عاد السودان وختم حياته الأكاديميَّة مديرًا لمركز يوسف الخليفة أبوبكر لكتابة لغات الشُّعوب الإسلاميَّة بالخطِّ العربيِّ، بجامعة أفريقيا العالميَّة.
البروفيسور حسن والبحث العلميِّ
نشر حسن العديد من الأبحاث العلميَّة المتميِّزة، ويبلغ كمُّ الكتب المؤلَّفة والمحرِّرة والمترجمة الَّتي نشرها باللُّغتين العربيَّة والإنجليزيَّة اثنان وعشرون كتابًا، ويبلغ عدد الدِّراسات وفصول الكتب المحكمة الَّتي نشرها باللُّغتين العربيَّة والإنجليزيَّة أربعين دراسةً، إلى جانب الكمِّ الهائل من النَّدوات والمؤتمرات الَّتي اشترك فيها بأوراق علميَّة. والشَّاهد على جودة هذا العطاء البحثي حصوله على درجة الأستاذيَّة في التَّاريخ عام 1980 بجامعة الخرطوم، ويُعْدُّ هذا الكسب بمقاييس ذلك الزَّمن إنجازًا علميًّا مقدِّرًا. لا أستطع في هذه المساحة والمناسبة الحزينة أن أقف عند كلِّ الأبحاث العلميَّة الَّتي نشرها أستاذنا الرَّاحل؛ لكنَّ انتخب منها عملين أكاديمييَّن مميَّزين. أولهما كتابه عن “محمَّد علي باشا في السُّودان”، الَّذي يُعْدُّ من الدِّراسات السُّودانيَّة النَّاضجة، الَّتي تناولت فترة حكم محمَّد علي باشا للسُّودان، مستعرضةً أهدافها ودوافعها السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، المرتبطة بالبحث عن الموارد الطَّبيعيَّة مثل الذَّهب والمعادن، وتأمين منابع النِّيل لضمان استقرار عمليَّة الإصلاح الزِّراعيِّ الَّتي نفذها محمَّد علي باشا في مصر؛ والبحث عن الرِّجال لتجنيدهم في القوَّات المصريَّة وبيعهم في أسواق النخاسة. كما يلقي الكتاب الضَّوء على تأثير الغزو التُّركيِّ-المصريَّ في البنية الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة في السُّودان وعمليَّات التَّحديث الَّتي رافقت مراحل الغزو المختلفة ومآربه الإمبرياليَّة. ولذلك يعتبر هذا الكتاب مرجعًا قيِّمًا لا غنًى عنه بالنِّسبة للباحثين والمهتمِّين بنشأة دولة السُّودان الحديثة بحدودها السياسية الَّتي تشكَّلت آنذاك وتطوَّرت لاحقًا. وثانيهما، كتابه عن “السَّيِّد عبد الرَّحمن المهدي: دراسة في المهديَّة الجديدة بالسُّودان، 1899–1956” (Sayyid Abd Al- Rahman al- Mahdi: A Study of Neo- Mahdism in the Sudan، 1899-1956)، والصَّادر عن دار بريل الهولنديَّة عامّ 2004. ويقدِّم هذا الكتاب مقاربةً تحليليَّةً جيِّدةً الصَّنعة عن سيرة السَّيِّد عبد الرَّحمن المهدي من ظلِّ المهديَّة الجديدة المهادنة للوجود الاستعماريِّ، بالطريقة التي وصفها المؤلِّف “ببراعة المناورة السِّياسيَّة”، وكيف استطاع أمام الأنصار أن يعيد تنظيم صفوفهم تدريجيًّا، ويوظِّفهم في إطار حزب الأمَّة، الَّذي رفع شعار “السُّودان للسُّودانيِّين”، وحظي بمساندة الحكومة البريطانية نكاية في حليفها المصري الضعيف. يعتبر هذا الكتاب مرجعًا مهمًّا لفهم التَّحوُّلات السِّياسيَّة والاجتماعيَّة الَّتي حدثت في السُّودان خلال المراحل المختلفة ومنعرجاتها السِّياسيَّة الَّتي قادت إلى استقلال السُّودان عام 1956.
علاقتي بالبروفيسور حسن أحمد
ترجع معرفتي العامَّة بالبروفيسور حسن أحمد إبراهيم قبل التقي به ذاتًا ووصفًا، عندما كنتُ طالبًا في المرحلة الثَّانويَّة؛ إذ كان كتابه “تاريخ السُّودان الحديث” مقرَّرًا على طلبة المساق الأدبيِّ، وظلَّ الكتاب يدرس في المرحلة الثَّانويَّة منذ عام 1979 إلى أن أستبدل بكتاب آخر في العقد الأوَّل من الألفيَّة الثَّالثة، ولذلك وصفه الطَّالب وقتها عبد العاطي بشير بقوله: “في ثالث ثانويّ درسنا مؤلَّفه تاريخ السُّودان، وقد كتب بلغة رائعة وسلسة، وأفكار مرتبة، تنمُّ عن ذوق رفيع وأدب بديع.” وعندما التحقتُ بكلِّيَّة الآداب جامعة الخرطوم، كان البروفيسور حسن نائبًا لعميد كلِّيَّة الدِّراسات العليا، وبعدها انتقل إلى عمادة كلِّيَّة الآداب (1984-1990)، خلفًا للبروفيسور إبراهيم الحردلو (1980-1984). وتعرَّفت عليه عن قرب عندما جاء زائرًا جامعة بيرغن بالنَّرويج عام 1998، ووقتها كنت على مشارف الانتهاء من أطروحة الدُّكتوراه، فقرأ الفصل السَّادس للأطروحة وعلَّق عليه تعليقاتٍ مفيدةً. ثمَّ بعد ذلك تفاكرت معه عن فرص العمل في الجامعة الإسلاميَّة العالميَّة بماليزيا، فطلب منِّي التَّقديم إلى قسم التَّاريخ والحضارة بعد الحصول على إجازة الدُّكتوراه. وبالفعل تقدَّمت للقسم المشار إليه بعد الحصول على درجة الدُّكتوراه، فطرحت الجامعة عليَّ وظيفة أستاذ مساعد في التَّاريخ في بداية عام 1999، فطلبتُ منها تأجيل مباشرة العمل إلى فصل الخريف لتسوية بعض التزاماتي الأكاديميَّة بجامعة بيرغن، فكان البروفيسور حسن متابعًا لكلِّ هذه الإجراءات ومُيسرًا لها بطيب خاطر يلامس أطراف قامته الشَّامخة. وفي يوم الخميس الموافق 9 سبتمبر 1999، بعد رحلة دامت قرابة الخمس عشرة ساعةً بين بيرغن وكولالمبور، وجدتُ بروفيسور حسن وصديقه بروفيسور إبراهيم محمَّد زين في انتظاري بمطار كوالالمبور الدَّوليِّ. بحقِّ قد حفلت فترة الجامعة الإسلاميَّة بماليزيا (1999-2012) بفوائد أسفار الإمام الشَّافعي الخمس، تفرج هم، واكتساب معيشة، وعلم، وآداب، وصبحة ماجد. فكان البروفيسور حسن ماجدها الحقيقيَّ دون منازعٍ إلى جانب أماجد آخرين. فظلَّ طيلة هذه الفترة الأستاذ والأب الَّذي تجد عنه النُّصح والإرشاد، والزَّميل الَّذي يؤازرك أكاديميًّا واجتماعيَّةً. وبفضل الصُّحبة الراشدة الَّتي نشأت بيننا اشتركت معه في تحرير كتابين، أحدهما بعنوان “الشَّتات الحضرمي: صيانة الهويَّة أمُّ الاندماج” (The Hadrami Diaspora in Southeast Asia: Identity Maintenance or Assimilation؟)، الَّذي نشرته دار بريل الهولنديَّة عامّ 2009؛ وثانيهما، “التَّعليم العالي في العالم الإسلاميِّ”، الَّذي نشرته مطبعة الجامعة الإسلاميَّة العالميَّة بماليزيا، عام 2009.
خاتمة: بروفيسور حسن الإنسان
إلى جانب هذا الثَّراء الأكاديميِّ كان بروفيسور حسن إنسانًا فريدًا ونادرًا على طريقته، ولذلك وصفته البروفيسور نور فريدة عبد مناف، أستاذة الأدب الإنجليزي بالجامعة الإسلاميَّة العالميَّة بماليزيا، بقولها: “عندما كنت إداريَّةً شابَّةً عائدةً من دراستي للدُّكتوراه في أستراليا، وكنت واحدةً من حفنة رؤساء أقسام سيِّدات وسط رهط من الأساتذة البارزين، كان من الممكن أن يكون الوضع صعبًا جدًّا لولا الدَّعم اللَّطيف من بعض الزُّملاء أمثال البروفيسور حسن إبراهيم والبروفيسور إبراهيم زين، اللَّذان كنت اعتبرهم كآباء روحيِّين بالنِّسبة ليَّ. . . على الرَّغم من فارق السِّنِّ بيننا، كان البروفيسور حسن يعاملني على قدم المساواة، ويحترم آرائي في اجتماعات الكلِّيَّة، حيث كان صوتيّ كإداريَّة شابَّة أحيانًا يتمُّ تجاهله من قبل مجموعة من الأساتذة البارزين، لكنَّ البروفيسور حسن … كان غالبًا ما يقول: “أعتقد أنَّ وجهة نظر الأخت فريدةً صحيحةً.” ووصفه الدُّكتور حامد البشير إبراهيم بقوله: بأنَّه “رجل ودود، حسن المعشَّر، وخلوق، محبًّا لزملائه ولطلَّابه وأصدقائه. يرتدي الأدب والتَّواضع والاحترام جلبابًا وعمامةً. على الرَّغم من أنَّني لم أكن من طلَّابه بالمعنى الحرفيِّ للكلمة؛ لكن كانت المشتركات بيننا كُثر، والصِّلات حميمة والودِّ طاغي. كان محبًّا للعمل الخيريِّ، وقد عملنا معًا، وفي معيَّة البروفيسور قاسم بدري، في إدارة صالون الإبداع للآداب والفنون، الَّذي أسَّس له الإمام الصَّادق المهدي حتَّى أضحى كيانًا ثقافيًّا له إسهامات في الحياة الثَّقافيَّة والاجتماعيَّة في السُّودان. “وإذا أردنا أنَّ نصف بروفيسور حسن في عبارة واحدة، فهو “إنسان رائع”، والرَّائعون كالأحجار الكريمة، لا نصنعهم؛ ولكنَّ تصنعهم أفعالهم الجميلة وأفضالهم المنبسطة للنَّاس أجمعين. وها هو حسن يقابل ربُّه ويضع في ميزان عدله، إلى جانب عباداته ومعاملاته، المحبَّة الَّتي عاشها بين النَّاس طولاً وعرضًا؛ لأنَّها كانت محبَّة منبسطة للجميع، لا يسعها حيِّز جغرافيّ، ولا تحدُّها روابط صلب وترائب، بل كانت منداحةً بقدر اندياح صاحبها في حبِّ الآخرين، الَّذين بادلوه حبًّا بحبٍّ. فنسأل اللَّه أن يغفر له ويرحمه، ويكرِّم نزله، ويوسِّع مدخله، ويغسله بماء وثلج وبرد، وينقِّيه من الخطايا كما ينقَّى الثَّوب الأبيض من الدَّنس، ويدخله فسيح جنَّاته مع الصِّدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين، وحسن أولئك رفيقًا، ويلهم أسرته الكريمة وزملاءه وطلَّابه وأصدقاءه الصَّبر الجميل والسلوان وحسن العزاء. فالبروفيسور حسن أحمد إبراهيم أستاذنا الذي لا نعزِّي فيه، ولكنَّه فيه نُعزَّى.