*الإنسان ابن بيئته* بقلم / *محمد أبوزيد مصطفى*

احد السفراء الأوروبيين في لقاء لي معه وقد كان باحثاً بجامعة الخرطوم في تسعينات القرن الماضي قبل أن يكون سفيراً لبلاده بالسودان.. قال لي :مقارِناً بيننا والمصريين :(انتم لا تعرفون المساومات) يعني واضحين أكثر من اللازم، أما ابيض او اسود.. وإخوانكم المصريين (ليست لديهم شفافية) يعني غامضين جداً وغير صريحين ،،، وما قاله لي ذكرني بمقولة الشيخ محمد هاشم الهدية..[ ان انصار السنة عندهم علم ولكن ليس لديهم تهذيب،،،و الصوفية عندهم تهذيب ولكن ليس لديهم علم].. فقلت لاحد اشياخ التصوف في لقاء جمعنا لحل مشكلة بينه وبين أنصار السنة بمنطقته،لما حكيت له  ما قال الشيخ الهدية واعجبه تقييمه ،، اتعاهدني ان نعطيكم العلم وناخذ منكم التهذيب..فوافق وتعاقدنا علي ذلك..
ففي هذين الروايتين فرصة لتقريب الأنفاس والأفكار وتذويب حدة الخلاف تدريجياً، بل والتصاهر الذي يخلق هجيناً مميزاً،، ولعل قانون الهجرة الأمريكي هذه واحدة من أهدافه،،، ولكن الهدف الاعظم هو معرفة خصائص وطبائع الشعوب التي يريدون ان يتسيدوا عليها، فبدلاً من أن يغزوها في عقر دارها وتجنباً لما فعلت أوروبا مع مستعمراتها أو يرسلوا لها طلائع الاستكشاف فالأفضل استجلابها الي أرضهم لانه أيسر السبل للوصول الي الغاية والهدف..
وكذا الغوص في خصائص القبائل والجهات السودانية التي تمكن الحاكم الاستفادة منها واستغلالها في شغل بعض الوظائف وحسن مسايستها ، إذ أن بعضها يصلح للجندية، وآخرين في المال والاقتصاد، ومنهم من يتفوق في التخابر،، وإذا كانت بعض القبائل تحب المدح فإن بعضها لا يصلح معه الا التجارة والمغامرات، والبعض الآخر يحب الوظيفة التي تضمن له دخلاً مستقراً دون مخاطرة ،، فإن الانجليز استخدموا احيانا سياسة المناطق المقولة علي بعض الجهات والاثنيات كبحاً للتمردات… وعموماً فإن الشعب السوداني طيب لكنه لا يقبل (الحقارة) ولذلك وصفه احد البدو السعوديين بقوله {السوداني زي الجمل لا تهاوشه، إذا جئته باللين فإن الطفل يمكن أن يقوده،، اما اذا جئته بالعنف خسرته}،، وقيل لمن ترشح ليحكم ولاية : إن أهلها إذا اجلستهم علي الأرض وركبت في الكرسي انزلوك منه، وإذا جلست معهم علي الأرض رفعوك في الكرسي…
إن معرفة طبائع الشعوب مدخل مهم للدخول عليهم والتعامل معهم…
وكذا في السياسة الدولية والعلاقات الخارجية، لا بد من منهج جديد للابتعاث الخارجي واعداد الدارسين بالخارج علي الا يكتفوا بالدراسات الأكاديمية المتخصصة فقط وإنما ينبغي أن يغوصوا في المجتمعات بحثاً وتزقيباً عن خصائصها وخفاياها،،، وكذلك الممثليات في الخارج ان يؤهل افرادها بواسطة خبراء حذاق متمكنين في المعرفة التفصيلية بالجهة التي يُبتعثون إليها،، والاعلام الخارجي يجب أن يعرف اللغة والخطاب الموجه الذي يتناسب مع الشعب الذي توجه له الرسالة الاعلامية..
و أخيراً فإن الفضائيات تبرع في كشف المستور من خلال الحوارات لمعرفة الخبايا وقراءة ما وراء السطور، وبالتالي فالاقلال من التصريحات والمؤتمرات الصحفية والحوارات واجب مرحلة.. أما التصدي للمقابلات الإعلامية مع كل من هب ودب ممن تقلد منصباً فقط دون أن يكون مخولاً في الحديث الي وسائل الإعلام الا في الحدود المسموح بها فقط من أجل الشهرة ومجرد الترويج أمر مضر بالأمن القومي خاصة في هذه المرحلة الحرجة من التاريخ.

مقالات ذات صلة