*رجوع القمرا** على عسكوري ٢٥ مارس ٢٠٢٥*

اعترف ان مفرداتى خذلتنى عند محاولتى الكتابة عن استعادة القوات المسلحة للقصر الجمهوري عنوة واقتدارا، ودخلت في نوبة من البكاء وشعرت ان غصة سكنت اضلعي لفترة تخرج في شكل دموع ونحيب فشلت في مغالبتهما فخلدت الى الصمت وتركت دموعي تتساقط.
بعد فترة احسست ان غصة مرة خرجت مع تلك الدموع وان بوسعى رفع رأسي والتنفس بزهو وخيلاء! لقد كان احتلال المليشيا للقصر غصة وطنية مؤلمة صعب على كل الوطنيين قبولها، حتى حسبنا اننا سنرحل عن الدنيا ورمز سيادتنا يرزح ويئن تحت وطأة اوباش قذرين!

بالطبع، لم تكن دموعي بكاء علي الجدران، رغم القيمة التاريخية لتلك الجدران، لكننى انتحبت فرحا لعودة السيادة والرمزية الذى يمثلهما ذلك المكان! لقد كان وجود عصابة اللصوص والمرتزقة في مركز سيادتنا تمريغا لكرامة كل سودانى وسودانية. لقد كانت غصة استصعب على بسطاء الناس القبول بها، دعك من رجال القوات المسلحة وقادتها، الذين تمثل حماية القصر الرئاسي قمة مسؤولياتهم الوطنية.
القصر الجمهوري ليس ملكا للرئيس ولا اعضاء مجلس السيادة ولا الجيش انما ملك للسودانيين والسودانيات جميعا، وعندما يطاله شطط او تدنيس يطال الجميع. ففوق سطحة تنتصب سارية العلم، رمز سيادتنا و عزتنا، وليس قطعة قماش مزركشة بألوان محددة.
اننا عندما نتحدث عن الدفاع عن العلم انما نتحدث عن آلاف الرجال الابطال الذين رووا الارض بدمائهم الذكية لتبقي رأية امتنا خفاقة بين الامم. فأبنائنا الذين بذلوا دمائهم رخيصة انما استشهدوا لتبقي الرأية عالية لا يطالها اوباش او نزق متمردين لا اصل ولا فصل لهم. لكل ذلك فالرأية التى تخفق فوقه تجسد سيادتنا وعزتنا وحريتنا. فبدون خفقان تلك الرأية طليقة فوق ضفة النيل، لا معني لاى رأية اخري داخل السودان أو خارجه، ولا معني لاى حديث عن السيادة!
لقد قدم ابنائنا في القوات المسلحة وكتائب المستنفرين بمختلف مسمياتهم ملاحم بطولية وتضحيات باذخة يصعب حصرها، وانجزوا ما وعدوا شعبهم، ونحن مدينين لهم بحريتنا واستعادة سيادتنا.
والآن، وقد استعاد الجيش قصرنا يقتضي الواجب علينا الاعتراف بفضل القادة الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل ذلك.
لقد اثبت الرئيس البرهان انه قائد من طراز فريد تتقاصر دون قامته كل قامات القادة السودانيين السابقين. وحق للقوات المسلحة وللسودانيين ان يفتخروا ان بين ظهرانيهم قائد امتلك من الشجاعة والعزيمة والبصيرة والثقة بالله وبنفسه و بشعبه وبجيشه، ما مكنه من ادهاش العالم. حقيقة لا اعرف قائدا افريقيا او عربيا، بل حتى بين كثير من شعوب العالم واجه تحديات بهذه الضخامة والتعقيد وانتصر! ان الواجب يقتضي علينا منح الرجال حقهم.. لقد كان القائد حاضرا دائما بين ضباطه وجنوده حتي صعب على حصر المرات التى اندفع فيها مباشرة ليكون بين قواته و سلاحها لم يبرد بعد من حرارة الطلقات. ايضا كان القائد دائم الحضور بين شعبه، معزيا ومواسيا في تواضع مدهش، يتناول القهوة والطعام معهم.
كان ذلك الحضور الدائم مدخلا صحيحا لتوحيد شعبه وجيشه في معركة بلادنا الوجودية.
لا يخامرني ادنى شك ان رباط الجاش الذى اثبته الرجل رغم كل ما حدث، كان سببا اساسيا في قلب طاولة الحرب على المليشيا ودحرها. ومن المؤسف ان يكون صبره سببا عند البعض للطعن في قيادته ووطنيته وتوجيه التهم التى وصلت حد التخوين له. بعض القوم للاسف يعتقد انه ادرى بالعسكرية وتاكتيكات المعارك اكثر من كبار العسكريين! ذلك جهل لا يدانيه الا جهل المليشيا بصلابة الجيش وقدراته!
لم يكن القائد وحده في الميدان فقد اثبت مساعدوه انهم على قدر التحدى وبذات العزيمة والصبر والجلد، وتماسكوا خلف قائدهم في ظروف غاية التعقيد كانت كافية لاختلافهم، مثلهم كانت هيئة اركان الجيش التي صمدت في ظروف مستحيلة حتى تمكنت من قهر المليشيا وداعميها.
اما اولئك الجنود والضباط الذين ضحوا بحياتهم من اجلنا فلا نملك الا ان نتذلل امامهم وننحنى اجلالا لهم، فتضحياتهم الباهظة هى التى اعادت بلادنا لنا بعد ان كادت ريحها تذهب. الرحمة لهم في الخالدين وسيبقوا دائما عنوانا لشرف امتنا ومجدها وسؤددها.

لقد آن لنا ان نفتخر كأمة دافعت عن وجودها ضد تآمر وتكالب العالم عليها، فقد اثبتنا لكل من يختلج في نفسه وهم ان لحمنا مر كالعلقم واننا امة تستحق الحياة بشرف واننا قادرون على الدفاع عن ارضنا ووطننا، قدمنا ونقدم في سبيل ذلك التضحيات الباهظة. فأى امة تعجز عن الدفاع عن ارضها تكون مطية لغيرها يبيعها ويشتريها نخاسة الاطماع وحابكوا المؤامرات الدولية وما اكثرهم.
لقد اعتقد بعض هولاء ان امتنا قد اصابها الوهن فجاؤوا بأسوء بشر في الارض هم للوحوش اقرب، وظنوا ان بوسعهم الاجهاز علينا وعلى بلادنا، فرد لهم جيشنا وشعبنا الصاع صاعين و دحروا يجرون اذيال الخيبة والانكسار. لو كان قد علموا ان شعبنا مجموعة من الاسود لما اقدموا على الانتحار!
مع هذه الانتصارات الباهرة اصبح من الضرورى الترفع عن الصغائر، والبحث عن كل ما يمتن وحدتنا الوطنية ويعزز من تماسكنا، فلا يزال الطريق شاقا وصعبا ولا قيمة لهذا النصر الكبير ان لم تتبعه عزيمة ماضية للبناء والاعمار!

رجوع القصر رجوع القمرا لى وطن القماري
كما تغنت البلابل.

*هذه الارض لنا*
*نشر بأصداء سودانية ٢٥ مارس ٢٠٢٥

مقالات ذات صلة