في حواره مع قناة “الجزيرة مباشر”، مساء أمس، رفض د. جبريل إبراهيم وصف الإطاحة بالحكومة الانتقالية في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ بالانقلاب، بحجة أنها حكومة غير منتخبة، بينما لم يتردد في وصف إطاحة ثورة ديسمبر بحكومة “الإنقاذ” في ١١ أبريل ٢٠١٩ بأنها انقلاب!
هذا الحديث يغالط وقائع التاريخ ويحاول إهدار ذاكرة الثورة .. فالحكومة الانتقالية التي تشكّلت بعد انتصار ثورة ديسمبر جاءت بالتوافق استناداً إلى شرعية الثورة المجيدة. فهي حكومة شرعية، تم التوافق عليها لإدارة البلاد خلال مرحلة انتقالية تنتهي بتنظيم انتخابات عامة بعد أجلٍ معلوم.
وما جرى في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ كان انقلاباً عسكرياً كاملاً على هذه الشرعية، انقضّ عليها ولكنه فشل في اكتسابها. وليس أدل على ذلك من الرفض الجماهيري الواسع للانقلاب، الذي عبّرت عنه مقاومة جماهيرية باسلة بدأت قبل إذاعة بيانه الأول، وارتقى خلالها عشرات الشهداء ومئات الجرحى والمعتقلين. ومعلوم أن تلك المقاومة أجبرت السلطة الانقلابية لاحقاً على التراجع والقبول بإنهاء الانقلاب عبر توقيع الاتفاق الإطاري.
الأشدُّ ظلماً للإرادة الشعبية أن يصف د. جبريل إسقاطها لنظام الإنقاذ – بعد تضحيات شهدت عليها القبور والسجون على مدى ثلاثين عاماً – بأنه “انقلاب”، رغم علمه أن بيان الجيش في ١١ أبريل كان استجابة حتمية لمطلب تلك الإرادة، إذ لم يكن بالإمكان تجاوز الحشود التي سَدّت عين الشمس في شوارع وساحات كل ولايات السودان، وهي تقف بكامل وعيها واستعدادها على عتبة التضحية المفتوحة، عازمة على ألّا تتراجع قبل تحقيق مطلبها الذي اختصرته في كلمتين: “تسقط بس”.
أمّا المثير للغضب والسخرية، في آن، فهي إشارته الضمنية إلى أن حكومة “الإنقاذ” كانت منتخبة – وذلك عندما أفاد بأن إسقاطها كان انقلاباً، وأن الانقلاب لا يكون إلا على حكومة منتخبة – مع أنها في الأصل حكومة انقلابية جاءت بعد إسقاط حكومة الديمقراطية الثالثة بالقوة، وأن ما كانت تسميه انتخابات لم يكن سوى مشاهد تزوير في مسرحيات هزلية لا تمنح شرعية .. والمفارقة، أن هذا ما كان يعتقده د. جبريل نفسه عندما كان شريكاً معنا في تحالف “نداء السودان”، حين كنا ندمغ نظام “الإنقاذ” بعدم الشرعية وانتخاباته بـ “المخجوجة”.
إن د. جبريل، إذ يصف إطاحة الثورة بنظام “الإنقاذ” بالانقلاب بينما يرفض تسمية ما جرى في ٢٥ أكتوبر انقلاباً، يكون كما قال أعمى المَعَرّة البصير: “من جهتينِ لا من جهةٍ أساء”.